الجمعية العامة للأمم المتحدة: الجولان سوري

عبد المنعم علي عيسى:

جددت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 30 من شهر تشرين ثاني المنصرم قرارها الذي تطالب فيه كيان الاحتلال الإسرائيلي بـ«الإنسحاب الكامل من الجولان السوري المحتل حتى خط 4 حزيران 1967»، تنفيذاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة وعلى رأسها القراران 242 للعام 1967 والقرار 338 للعام 1973، والفعل، أي تجديد التأكيد، الذي بات من الممكن النظر إليه على أنه بات أشبه بـ«تقليد» سنوي ما انفكت الجمعية العامة تحييه منذ صدور القرار الأممي 497 في 17 كانون أول 1981 أي بعد ثلاثة أيام فقط على إعلان«تل أبيب»عن«ضم الجولان»إلى أراضيها، حيث يشير ضيق الفترة الزمنية هنا ما بين مسودة القرار التي تقدم بها المندوب السوري الدائم لدى الأمم المتحدة يوم 14 كانون أول وبين صدور القرار، الذي صدر بإجماع أعضائه الخمسة الدائمين والعشرة المؤقتين، بعد ثلاثة أيام فقط إلى حالة من الإجماع الدولي نادرة.

تظهر«خريطة» التصويت على قرار الجمعية العامة الأخير آنف الذكر أن ذلك الإجماع لا يزال قائماً حتى الآن، و إن أظهرت تلك الخريطة أن ثمة تغيراً في متانة «قماشة» الإجماع، الأمر الذي يمكن لحظه عبر ارتفاع الأعضاء الممتنعين عن التصويت والذي جاء عند حد 65 عضواً هذه المرة، الأمر الذي يمكن تفسيره هنا انطلاقاً من ارتفاع مناسيب التوتر في العالم، وكذا نتيجة لحالة الاستقطاب التي فرضتها جبهة الصراع الروسية الغربية المحتدمة راهناً في أوكرانيا، فجلّ الممتنعين هم ممن يدورون في فلك الجبهة الثانية، أو ممن لا يريدون لأنفسهم صبّ الزيت على النار في سياق علاقتهم المتأرجحة مع تلك الجبهة تحسباً لأكلاف اقتصادية.

وضعت المنظومة العالمية التي ولدت من رحم الحرب العالمية الثانية العام 1945 «الجمعية العامة»، وعملها، في سياق هو أشبه بـ«دائرة توثيق» التي تمنح الشرعية في قضية ما، لكن أعضاءها الـ 193 الذين يمثلون دول المعمورة غير قادرين على أن يمارسوا دور«دائرة التنفيذ» القادرة على إيصال تلك الحقوق إلى أصحابها، بل إن مجلس الأمن، الذي جاءت صيغته لتكرس نتائج تلك الحرب بحيث ضم المنتصرين فيها، كثيراً ما كانت قراراته تذهب إلى الأدراج المنسية التي تطويها سلسلة الأحداث والمصالح، وهي، أي تلك القرارات، كثيراً ما كانت تأخذ طريقها إلى الأدراج سابقة الذكر إلّا في الاستثناء الذي يعني هنا صدور القرار تحت الفصل السابع الذي يتيح للمجتمع الدولي التحرك لتنفيذ ذلك القرار، واللافت هو أن الحالة النادرة لذلك النوع من القرارات كانت نصيبَ المنطقة منها حالتان، في العراق 1991، وفي ليبيا 2011، فيما قراراتها 242، 338، 497، وكثير غيرها، لم تكن تحظى بذلك الاستثناء الذي يتأتى- كما يبدو- من حالة هي أقرب لتلاقح المزاج العام الغربي مع مصالح دوله التي تنتج حالة تفرض على الأداء العام للمنظومة الدولية هي أقرب للشلل منها إلى أي شيء آخر.

كثيراً ما كانت العربدة الإسرائيلية عاملاً فاضحاً للمنظمة الدولية التي انكشف عجزها، أكثر ما انكشف، في عدم قدرتها على كبح جماح تلك العربدة، والمؤكد هو أن «الحالة الإسرائيلية» كانت قد شكّلت- ولا تزال- تحدياً هو الأكبر لأداء تلك المنظمة التي تعاني أصلاً من عطب واضح فرضته افتراقات أقطابها تجاه سيل الأزمات التي راحت تتناسل كما «الهيدرا» على وقع نهج غربي بدا مستعداً لإشعال كلّ بقع المعمورة إذا ما كان الفعل قادراً على تكريس هيمنته وتحقيق مصالحه.

تصويت الجمعية العامة الأخير برغم أنه لن يجد طريقه للتنفيذ لكنه سيظل يمثل وثيقة تفصل ما بين المعتدي و صاحب الحق، والجولان سيظل سورياً بفعل حقائق التاريخ وحقائق الجغرافيا سواء أوجدت قرارات «الشرعية الدولية» طريقها إلى التنفيذ أم لم تجد، فالحال لن تظل هكذا، والعربدة الإسرائيلية لن تستمر سواء أكانت بتغير أحوال العالم أم بتغير موازين القوى القائمة راهناً، والتي اختلت نتيجة الانهيارات التي شهدتها المنطقة بدءاً من ربيع العام 2011 فصاعداً.

 

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار