من «كوب27» إلى «كوب- مونتريال».. الأرض ترسل إشارة استغاثة.. من يتلقى؟

رحيم هادي الشمخي:
بفارق أسبوعين فقط عن مؤتمر المناخ «كوب 27cop 27 » الذي انعقد في منتجع شرم الشيخ في مصر «6– 20 تشرين الثاني الماضي».. ينعقد مؤتمر مناخي آخر في مدينة مونتريال الكندية يوم غد الأربعاء تحت عنوان «انهيار التنوع البيولوجي.. الأزمة التي لم يعد بإمكان البشرية تجاهلها» ويبحث خطر الانقراض الذي يهدد مليون نوع من الحيوانات والنباتات نتيجة تغير المناخ الذي يقود إلى فقدان مواطنها الطبيعية.. وسيجدد المؤتمر تأكيد أن مصير كل من على كوكب الأرض هو مصير واحد.
وللتوضيح.. مؤتمر مونتريال هو جزء مع عملية «كوبcop » الأوسع التي انطلقت في عام 1992 عندما أنشأت الأمم المتحدة ثلاث اتفاقيات منفصلة بشأن تغير المناخ، والتنوع البيولوجي، والتصحر، ولكن منذ ذلك الحين، ورغم توقيع 196 دولة على هذه الاتفاقيات إلّا أن سجل العمل فيها ما زال يسجل فشلاً كارثياً.
تشارك في مؤتمر مونتريال الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي «كوب15» ولن تكون المشاركة بمستوى رئاسي بل على مستوى وفود، ما يشكل تناقضاً صارخاً مع سلسلة مؤتمرات «كوب المناخية» علماً أن أزمة الاحتباس الحراري التي تركز عليها مؤتمرات المناخ متداخلة جداً مع أزمة التنوع البيولوجي ولا تقل خطورة عنها لكن يبدو أن حكومات الدول ما زالت غير مقتنعة في هذا التداخل، «تتناقص أعداد الحيوانات البرية سنوياً بحوالي 2.5%».
وعليه لا يتوقع أن يتم تسجيل اختراق في مونتريال، تماماً كما هي حال مؤتمرات المناخ بما فيها «كوب27» الذي قيل إنه حقق منعطفاً مهماً عبر إقراره إنشاء صندوق مكرس لتمويل الأضرار المناخية اللاحقة في الدول«الضعيفة جداً» التي تنوء تحت وطأتها، ويُفترض أن تمول الدول الغنية هذا الصندوق، لكن التمويل لا يبدو مضموناً في ظل أن المؤتمر شهد خلافات عاصفة-بسبب تحفظ الدول الغنية- استمرت طوال أسبوعين، مدة المؤتمر، الذي تم تمديده يوماً إضافياً في سبيل التوصل إلى اتفاق حول الممولين والمستفيدين.
هذا كل ما خرج به «كوب27» من دون التوصل إلى اتفاقات حول سبل معالجة الاحتباس الحراري، وكل الكوارث الناجمة عنه، والتي لا بدّ أنها ستدمر الأرض إذا ما استمرت، لذلك قيل في نهاية «كوب27» إنه كما سوابقه لم يسمع إشارات الاستغاثة التي يطلقها الكوكب، أو إنه سمعها وتجاهلها، ما دامت الدول الغنية هي من يَحكم، وهي من يَجني الثروات ومن يهيمن ويسيطر، تحقيقاً لمصالحها الخاصة وليذهب الكوكب إلى الجحيم.
إذاً، أياً يكن من أمر مؤتمرات وقمم المناخ التي تنعقد بصورة مستمرة، فإن أزمة المناخ تتفاقم، ولا آمال كبيرة بإمكانية أن يتغير الحال لأنه:
1- حتى الآن لا يتم إدراج أزمة المناخ كأولوية على جدول أعمال الحكومات والدول، خصوصاً الغنية منها، والتي هي المسؤول الأساس عن الاحتباس الحراري أو ما يسمى ارتفاع درجة حرارة الأرض..«في قمة -كوب 26- التي انعقدت العام الماضي 2021 في غلاسكو تعهدت الحكومة البريطانية بدفع 200 مليون جنيه إسترليني لحماية الغابات والاستثمار في التقنيات الخضراء، لكنها في الوقت نفسه كانت تصدر المزيد من التراخيص للتنقيب عن النفط والغاز في بحر الشمال وتستمر في معارضتها لطاقة الرياح البرية الجديدة».
2- كل ما يمكن أن يتم التوصل إليه ليس ذا قيمة ما لم تقتنع الدول بأن حماية الكوكب ليست خياراً جانبياً أو «ترفيهياً» إذا جاز لنا التعبير، وإنما هو خيار إجباري عاجل جداً، بل هو قضية وجودية، نكون أو لا نكون، «في مؤتمر – كوب 27- حذر الأمين العام للأمم المتحدة انتونيو غوتيريش من أن العالم يسير بسرعة إلى جحيم المناخ، وقال: الساعة تدق.. نحن في صراع من أجل حياتنا».
3- هناك مشكلة مصداقية هائلة في مسألة التعامل مع أزمة المناخ، أو لنقل هناك حالة انفصام وانفصال، يجتمعون من كل أنحاء العالم في مكان ما، ويستمرون أياماً في مباحثات ومفاوضات، والنتيجة: لا شيء، وما زال سؤال: متى يحين وقت العمل؟.. من دون إجابة.
في أكثر تقرير متشائم للأمم المتحدة حول أداء الحكومات والذي صدر في 27 تشرين الثاني الماضي.. يصف التقرير خطط الحكومات لتقليص الانبعاثات الكربونية منذ مؤتمر «كوب 26» العام الماضي بأنها كانت «غير كافية بشكل مُحزن» قائلاً: إن تحولاً عاجلاً في المجتمع هو الشيء الوحيد الذي يُجنبنا الكارثة.
“يقدر العلماء أن درجات الحرارة العالمية ارتفعت بمقدار 1،5 درجة مئوية.. وأن العام الحالي 2022 أكثر الأعوام التي شهدت كوارث مرتبطة بتغير المناخ من فيضانات وأعاصير وموجات جفاف وحرائق واسعة…الخ”.
هنا لا بدّ من السؤال: ماذا بشأن التحول نحو الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة وقطاع الطاقة النظيفة التي سبق لمؤتمر «كوب26» أن تعهد بها تحت بنود أربعة:
– التخلص التدريجي من استخدام الفحم، أحد أكثر أنواع الوقود الأحفوري تلويثاً.
– وقف إزالة الغابات بحلول عام 2030.

– خفض انبعاثات الميثان بنسبة 30 % بحلول عام 2030.
– تقديم خطط عمل جديدة بشأن المناخ إلى الأمم المتحدة.
هذه البنود لم يكن لها حضور في «كوب27».. طبعاً هذا اللاحضور ليس معناه أنها وُضعت قيد التنفيذ، بل هي وُضعت قيد الأدراج المغلقة، ليواصل العالم حياته وكأن لا أزمات وكوارث مناخية تهدد بفناء الأرض، حتى إننا وصلنا إلى مرحلة لا نسمع عن أزمة المناخ إلّا عند عقد مؤتمراتها.
أكاديمي وكاتب عراقي

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار