الشعبُ ومقاومته.. ركيزةُ كل نصرٍ

تشرين- هبا علي أحمد:

دائماً تحتاجُ إدارة الحروب والصراعات والأزمات التي تتعرض لها الشعوب إلى وعي جمعي تتطلبه حساسية المرحلة، ولاسيما إن كانت مرحلةً تعجّ بالتدخلات ومحاولات استغلال مقدرات وثروات شعب ما، وكذلك السيطرة وديمومة الاحتلال، وهذا الوعي ليس محصوراً فقط بالدولة ككيان له خططه واستراتيجيته في المواجهة والمجابهة وطرقه السياسية والعسكرية والدبلوماسية، بل إن الوعي يسري أيضاً على الشعب الذي يشكل أحد أبرز وأهم العوامل في الانتصار أو الهزيمة.

عندما يوجد وعيٌ شعبيٌّ بمعطيات المرحلة ومتطلباتها تتكون مقاومةٌ من رحم هذا الوعي

وما يُعد للبلد من استهداف ممنهج ومدمرّ على كل المستويات، لابدّ  من أن تتكون مقاومةٌ من رحم هذا الوعي، وهذه المقاومة هي التي يُعَوّل عليها لكونها لا بد أن تكون مقاومة واعية ومؤمنة ومنظمة ذاتياً، لطرد أي محتل وتحقيق الانتصار المكمل والرديف للنصر العسكري، ولا نبالغ إذا قلنا إن المقاومة الشعبية هي العمود الفقري في معركة الدولة ضد كل أشكال الإر*ه*اب.

في سورية تقدم المقاومةُ الشعبية، وخاصة أبناءنا في المنطقة الشمالية والشمالية الشرقية، دروساً في الإيمان بالوطن والانتماء إليه، والإيمان بوحدته وسيادته واستقراره، في مواجهتهم للمحتليَن الأمريكي والتركي وأذنابهما من العملاء والخونة، ورفضهم الانجرار وراء المحتل، وأن يكونوا مطيّةً له، وهي مقاومةٌ ولدت من رحم المعاناة، ونظمت نفسها ذاتياً، مترفعةً عن أيّ انتماءات أو اعتبارات، وعن أيّ عناوين غير مؤطرة بأحزابٍ، فهي من روح الشعب وللشعب والوطن، وهذا ما يجعلها تحقق الانتصار أياً يكن صغيراً أم كبيراً.

فعندما تواجه الحجارةُ أعتى وأحدث الآليات العسكرية وتحقق المطلوب، فهذا انتصارٌ ناجزٌ أيضاً، وعندما تكون الأدوات قطع الطرق وحرق الدواليب ومنع القوات الأميركية من الحركة وصولاً إلى ‏المقاومة ‏المسلحة، هو أيضاً انتصار نتيجة عدم التكافؤ، فالمقاومة الشعبية السلميّة التي لا تبحث عن إراقة الدماء وإشاعة الفوضى، والبسيطة القدرات، والقوية بإيمانها وعزيمتها وحقها، وهي أسلحتها في مواجهة أمريكا «العظمى»، فهذا في حدّ ذاته انتصار.. وعندما يكون الهدف الأسمى حماية الوطن وأبنائه في مواجهة غاصبٍ من وراء البحار، وآخر استبدل الجيرة بالعدوان والجور، وثالث أغرته حفنة من المال والوعود البراقة المخادعة، فلا بدّ أن يكون النصر حليف الحق والحقيقة، لأن أبناء الأرض أدرى بالخيارات الصحيحة لمواجهة المحتل ونزعته المتوحشة وتعطّشه للدماء ونهب الثروات.

مهما حاول الأمريكي والغربي إشغالَ الدولة السورية عن تحقيق انتصاراتها عبر الإر*هاب الاقتصادي، فإنه لن ينجح، وما يقوم به سيكون محاولةً في الهواء لأن المقاومة الشعبية بالمرصاد، وإن توقفت الآلة العسكرية لسبب أو آخر، فإن الحجارة لا يمكن إيقافها أو إخفاؤها من الوجود، كما أن الأصوات المناهضة لا يمكن إسكاتها، وبذلك يكون المحتل بمختلف أشكاله ومسمّياته أمام منعطف خطر من تاريخ وجوده، ولاسيما أن هذه المقاومة ليست في سورية فحسب، بل هي في العراق أيضاً، الأدرى بالمحتل الأمريكي وجرائمه، وهذا بمجموعه يضع الوجود الأمريكي في المنطقة على المحك.

المقاومة الشعبية دائماً تحدث فرقاً في الأحداث

لطالما أحدثت المقاومة الشعبية فرقاً في الأحداث، والمثالُ الحاضر دائماً في المقاومة الشعبية السلمية غير العنفية التحررية لأبناء شعبنا الفلسطيني ضد الكيان الصهيوني الغاصب وآلته الحربية العدوانية، فالمقاومة الشعبية الفلسطينية موغلة في التاريخ الفلسطيني، ولها جذورٌ عميقة في مسيرة الفلسطينيين منذ بداية القرن الماضي على الأقل، وكانت أساسيةً في الانتفاضة الأولى عام 1987، كما تمكنت من تشويش وإرباك مخططات التهويد والاستيطان، وحققت الكثير من الإنجازات على صعيد مقاومة الاحتلال وإحراجه دولياً، واستقطبت الرأي العام العالمي المؤيد لفلسطين وقضية شعبها.

وأيضاً لنا في المقاومة اللبنانية اليوم والمقاومة اليمنية أنموذجٌ في النضال والسير في طريق التحرير، ولا ننسى المقاومة الشعبية الجزائرية التي كان لها الدور الفاعل في طرد المستعمر الفرنسي.

وعليه، لا يمكن الحديث عن المقاومة الشعبية في بلدٍ من دون آخر، لأنها الركنُ الأساس في التحرر وطرد المحتل، ولاسيما أن المعركة اليوم واحدةٌ، أي إن المقاومة الشعبية في سورية مكملةٌ وداعمة لمثيلتها في العراق واليمن ولبنان وغيره.

أقرأ أيضاً:

المقاومة الشعبية في الشمال والشمال الشرقي

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار