المقاومة الشعبية في الشمال والشمال الشرقي

تشرين- د. عماد خالد الحطبة:

تاريخياً، شكلت المقاومة الشعبية وأشكال الاحتجاج الشعبي المختلفة، المقدمة الموضوعية لظهور المقاومة المسلحة كشكل نهائي للمواجهة بين أصحاب الأرض والمحتلين، ومارست جميع الأمم التي وقعت تحت نير الاحتلال أشكال المقاومة المختلفة، وقد نجحت جميعاً  بالانتصار على الاستعمار والوصول إلى أهدافها طال الزمان أم قصر.

مثل كل الشعوب يحفل تاريخنا بقصص المقاومة المجيدة في مواجهة المحتلين، وقصص أبطال مثل سلطان باشا الأطرش، وإبراهيم هنانو، وأحمد عرابي، وعبد القادر الحسيني، وعمر المختار، وعماد مغنية وغيرهم، ما زالت تغني الذاكرة الوطنية العربية بنماذج البطولة والفداء، وتبقى الثورتان الجزائرية والفلسطينية علامتين فارقتين في تاريخ المقاومة العربية، فالأولى استطاعت طرد الاستعمار الفرنسي بعد 130 عاماً من الاحتلال، والثانية ما زالت تقارع العدو منذ أكثر من 100 عام، و يكاد لا يمر يوم من دون أن يقدم أبطالها ملحمة جديدة تضاف إلى صفحات النضال العربي.

ينقل الأثر عن الإمام علي«ع» قوله «بقية السيف أنمى عدداً وأكثر ولداً»، وقد ذهب المفسرون في شرح هذه العبارة بقولهم: إنه بعد معارك الحق، التي يخوضها من استبسلوا في الدفاع عن قضاياهم، فإن الناجين من المعركة يعيشون بكرامة وعزة، ويُنشئون العمران والحضارة ويجتمع الناس إليهم فيكونون أنمى عدداً، ويبارك الله في ذريتهم فيكونون أكثر ولداً، أما ماوتسي تونغ، الذي يُعد مؤسس مفهوم الحرب الشعبية، فيرى أن هذه الحرب تعمل كالترياق الذي يطهر المجتمعات من السموم، فحسب ماوتسي تونغ، الحرب الشعبية هي «حرب عصابات» متحركة وطويلة الأمد، وتحتاج هذه الحرب كي تستمر إلى حاضنة شعبية تقدم لها الدعم المستمر، وإلى انخراط القوات المسلحة بالجماهير صاحبة المصلحة، لتكون حربهم واحدة.

في لقائه مع وكالة «روسيا سيغودنيا» عام 2020 أشار الرئيس بشار الأسد إلى المقاومة الشعبية ضد الاحتلالين الأميركي والتركي، كأحد الخيارات التي تدعمها الدولة السورية، كانت تلك الإشارة نقطة انطلاق لسلسلة من العمليات التي استهدفت الاحتلال الأميركي وعملاءه من ميليشيات «قسد». تعددت عمليات قصف حقل كونيكو في ريف دير الزور، ونفذ أبناء العشائر العربية عمليات المقاومة المسلحة، فنفذوا عمليات في بلدة البصيرة في ريف الحسكة، وبلدة الحوس في ريف الرقة، واُستهدفت أرتال العربات العسكرية الأميركية بعبوات ناسفة في بلدة المالكية، كما استهدف مطار «خربة الجير» في ريف الحسكة، وآخر عملية كانت ضد قاعدة الاحتلال الأميركي في الشدادي.

عاد الرئيس الأسد إلى التأكيد على موقف سورية الثابت من موضوع الاحتلال الأجنبي، وذلك في مقابلة مع قناة «روسيا اليوم» في حزيران 2022، إذ يقول: إذا كان هناك احتلال فستكون هناك مقاومة في المرحلة الأولى.. وعندما تسمح الظروف العسكرية بالمواجهة سنفعل هذا الشيء. وأشار سيادته إلى أن مواجهات دارت بين الجيش العربي السوري والجيش التركي قبل حوالي ثلاثة أعوام استطاع خلالها الجيش العربي السوري تحقيق إصابات مباشرة في القوات التركية الغازية، ما يؤكد عزم سورية على تحرير كامل أرضها من جميع المحتلين، وعلى دعم الجيش العربي السوري للمقاومين من أبناء المدن والأرياف السورية في الشمال.

خلال الأسبوعين الماضيين بدأت تركيا سلسلة من الاعتداءات على المدن والقرى السورية في الشمال السوري، رافعة شعار إبعاد المسلحين الأكراد، وإيجاد منطقة عازلة بعمق 20 كم داخل الأراضي السورية، هذه الحملة سبق أن حاول الأتراك القيام بها قبل أكثر من سنة، لكنها فشلت لأسباب سياسية وعسكرية، أهم الأسباب وجود قواعد للجيش العربي السوري في المناطق التي تحدث عنها أردوغان، واستعداد الجيش للرد على أي عدوان، ما سيكبد القوات التركية خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات.

لهذا السبب لجأ الجيش التركي إلى القصف الجوي، واستهدف مواقع للجيش العربي السوري لدفعه إلى التراجع عن المواقع المستهدفة، وجاء الرد من المقاومة الشعبية، التي استهدفت بعض المناطق التركية، وقتلت عدداً من الجنود الأتراك.. رد الفعل هذا أربك المخططات التركية، لأن الهدف الأساس للعملية كان انتخابياً، لدعم حملة أردوغان للاحتفاظ بمنصبه، هذه الحملة يمكن أن تتضرر إذا بدأت الأكياس المملوءة بالجثث تعود إلى المدن التركية، وفي الوقت نفسه لا يستطيع أردوغان التراجع عن مواقفه المتشددة التي أطلقها خلال الحملة الانتخابية، لأن ذلك سيؤثر في شعبيته، وفي تحالفاته مع القوميين الأتراك.

تبدو الفرصة مؤاتية للمقاومة الشعبية السورية لوضع المزيد من الضغوط على المحتل التركي، واستغلال حالة تناقض المصالح بينه وبين المحتل الأميركي.. ويبدو أن المقاومة تدرك هذا الأمر، لذلك بدأت بتصعيد عملياتها في المنطقة الشمالية، ويبرز هنا وبحدة دور الجيش العربي السوري بصفة الحامي للأراضي السورية، والقادر على مواجهة المحتلين وأسلحتهم المتطورة، ما يستدعي من أبناء العشائر العربية التكاتف لطرد الانفصاليين من مناطقهم وتسهيل وصول الجيش العربي السوري لحمايتهم.

كاتب من الأردن

أقرأ أيضاً:

«ملف تشرين».. المقاومة الشعبيّة خيار الشعوب الحرّة.. أكثر فعالية من القنابل الذكية وطائرات «الأباتشي» ومدرعات «رعاة البقر»

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
وافق على تأمين 5 آلاف طن من بذار البطاطا.. مجلس الوزراء يعتمد الإطار الوطني الناظم لتبسيط إجراءات الخدمات العامة 1092طالباً بالثانوية العامة استفادوا من طلبات الاعتراض على نتائجهم قيمتها ١٥٠ مليون ليرة.. أين ذهبت مولدة كهرباء بلدة «كفربهم».. ولماذا وضعت طي الكتمان رغم تحويل ملفها إلى الرقابة الداخلية؟ الديمقراطيون الأميركيون يسابقون الزمن لتجنب الفوضى.. الطريق لايزال وعراً وهاريس أفضل الحلول المُرّة.. كل السيناريوهات واردة ودعم «إسرائيل» الثابت الوحيد هل هي مصادفة أم أعمال مخطط لها بدقة «عائلة سيمبسون».. توقع مثير للجدل بشأن مستقبل هاريس تطوير روبوتات لإيصال الأدوية عبر التسلل إلى دفاعات الجسم المكتبة الأهلية في قرية الجروية.. منارة ثقافية في ريف طرطوس بمبادرة أهلية الأسئلة تدور.. بين الدعم السلعي والدعم النقدي هل تفقد زراعة القمح الإستراتيجية مكانتها؟ نقص «اليود» في الجسم ينطوي على مخاطر كبيرة يُخرِج منظومة التحكيم المحلي من مصيدة المماطلة الشكلية ويفعِّل دور النظام القضائي الخاص.. التحكيم التجاري الدولي وسيلة للاندماج في الاقتصاد العالمي