«ملف تشرين».. المقاومة الشعبيّة خيار الشعوب الحرّة.. أكثر فعالية من القنابل الذكية وطائرات «الأباتشي» ومدرعات «رعاة البقر»

تشرين- مها سلطان:

متى نستكمل التحرير.. هل نستطيع.. متى نستطيع.. كيف نستطيع.. بأي أدوات.. بأي حلفاء.. بأي خيارات.. ألم تصل الأوضاع إلى نقطة اللارجعة.. ألم تستحكم الخريطة الإقليمية والدولية وتستعصي- مصالح وأهدافاً ومؤامرات – لتُطبق على الأدوات والخيارات، وتحاصر هدف استكمال التحرير أو على الأقل تضعه قيد «أجل غير مسمى»؟

من نافل القول هنا أننا نتحدث عن الأراضي السورية المحتلة في الشمال والشمال الشرقي على يد الأميركي والتركي.

أسئلة وغيرها، لا تنقطع.. لا تنحصر أو تنحسر.. متشابهة نعم، لكنها تختلف كلياً لناحية من يسأل ومن يجيب.. أكثر من يسألها هم «الآخرون» خبثاً في أغلبهم وليس حرصاً.. أما السوريون فهم في أغلبهم لا يسألونها، فالأرض ليست محل أسئلة وأجوبة.. الأرض ثابتة وطنية.. تحريرها حتمي، ونقطة آخر السطر.

نعم تستعصي خريطة المصالح والمطامع الإقليمية والدولية، تفرض وجودها، وتحاصر هدف استكمال التحرير من دون أن تؤثر قيد شعرة في درجة الاستعداد والتأهب والجاهزية التي يُحافظ عليها جيشنا الباسل، فكل تقدم بأوان، وكل نصر بأوان.

نعم تستعصي وتحاصر هدف استكمال التحرير لكنها تعجز عن محاصرة إرادة شعب رفع تحرير وطنه شعاراً وسلاحاً، وتعجز عن إسقاط مقاومة أهلنا في المناطق التي يحتلها الأميركي والتركي.. مقاومة بدأت بحجر يلتقطونه من أرضهم.. وبـ«دولاب» يشتعل في وجه المحتل، يمنعه من دخول القرى والبلدات، ويردعه عن استباحتها ترهيباً وتخريباً.

هزيمة أي محتل حتى لو كان أميركياً ليست أمراً مستحيلاً عندما يكون الوطن هدفاً لا يُعلى

«ينتصر العدو عندما تقتنع الأغلبية بأن المقاومة كذبة».. «نُهزم نفسياً وفكرياً إذا اعتقدنا أن انتماءنا هو لحدود رسمها المحتل».. قالها السيد الرئيس بشار الأسد في خطاب القسم «17- 7- 2021» ليؤكد أن هزيمة المحتل، أي محتل، حتى لو كان أميركياً، ليست أمراً مستحيلاً، عندما يكون الوطن، هدفاً لا يُعلى.. وليؤكد أن المقاومة تنطلق من ذواتنا، وكذلك الهزيمة «الانهزام».. المقاومة إرادة وقرار.. والانهزام فعل جُبن وخيانة، خيانة لأنفسنا ولأوطاننا.

بحجر.. دولاب مشتعل.. العين لا تقاوم المخرز، فكيف إذا كان مخرزاً مدججاً بأعتى الأسلحة وأكثرها قتلاً وتدميراً، ولا تنقصه الوحشية في التعامل حتى مع يقاومون بحجر ودولاب مشتعل.

العبرة ليست في دولاب وحجر، بل في إرادة شعب لا يكسره إرهاب عدو حاقد.. ولا إرهاب وكيل مأجور.. العبرة بأن السوريين أصحاب حق، وأصحاب أرض ووطن.. على مر التاريخ سجلوا و«طوروا» معادلات مقاومة «عسكرية وشعبية» هزمت أعتى المحتلين ودحرت أشرس الجيوش.. وهم اليوم يفعلون المثل مع المحتل الأميركي.. ونحن هنا نتحدث خصوصاً عن المقاومة الشعبية شمالاً وشرقاً ضد المحتل الأميركي.. ونتحدث عن قدرتها على رسم خطوط حمر، جغرافية وديموغرافية، أجبرت هذا المحتل على أن يكون في حالة استنفار دائمة.. ووضعته مرات عديدة في موقع «دفاع».. فكيف حدث ذلك؟

سورية تنتصر بأهلها.. كل أهلها.. مقاومتنا الشعبية شرقاً وشمالاً.. يقين وطن ووهم محتل

وإذ نسوق الأجوبة عن «كيف حدث ذلك؟» فإننا نفعل باتجاهين:

أولاً، لمواجهة المشككين.. برهاناً وتأكيداً على أن هذه المقاومة الشعبية حقيقة قائمة، وهي وطنية أصيلة.

ثانياً، لأن المحتل أميركي، ولأن مسألة المواجهة العسكرية المباشرة غير متاحة «لأسباب معلومة للجميع»، فإن هذه المقاومة الشعبية هي بمنزلة جيش ثانٍ أو رديف أو إسناد أو دعم، لا فرق، وجودها ضرورة واجبة، أو هي بالأحرى تخرج في أوانها المناسب، زماناً ومكاناً وظروفاً.. تدير المواجهة مع المحتل وفق معادلاتها الخاصة التي تصنعها وتطورها.. وفي حالة المقاومة الشعبية يكفي إرباك العدو/المحتل.. أو جعله في حالة، يدور فيها حول نفسه، لا يعرف متى وكيف تأتيه الضربات.

مع ذلك، هذا لا يمنع أصحاب النيات الخبيثة وضعيفي النفس والوطنية، من إثارة الجدل حول وجود مقاومة شعبية، في حين أن الدولة ما زالت قائمة، وجيشها لا يزال في الميدان. بمعنى أن وجود مقاومة شعبية يوحي بأن الدولة غير قادرة على القيام بواجباتها، خصوصاً في الدفاع، وتالياً بالتحرير.. وعلى فرض أن هؤلاء يقدمون هذا الجدل باعتباره حرصاً وخشية على مكانة الدولة وهيبتها، وهم بالمطلق ليسوا كذلك، بل أهدافهم واضحة وهي بث اليأس والإحباط والتشكيك وزرع الفتنة والشقاق بين مكونات الشعب السوري من جهة وبينها وبين الدولة من جهة ثانية.

في كل مرة يبث هؤلاء سمومهم، وترد الدولة السورية بأن المقاومة الشعبية جزء لا يتجزأ من عمليات الدفاع واستكمال التحرير.. الرئيس بشار الأسد في مناسبات عدة وجّه التحية لهذه المقاومة، مؤكداً أن الدولة تعول عليها، وأن التحرير هو مسؤولية جميع السوريين، كل من موقعه.

فعلياً، سجّل العام الحالي 2022 تحولاً نوعياً في عمليات المقاومة الشعبية، وكانت قبل ذلك بعام «أي 2021»، عمدت إلى تغيير قواعد المواجهة نحو اشتباكات مباشرة مع ميليشيات «قسد» التي تعمل تحت إمرة المحتل الأميركي.. وأيضاً تكثيف عمليات استهداف الدوريات الأميركية، وصولاً إلى قصف تمركزات الجنود الأميركيين وقواعدهم غير الشرعية التي تشكل ما يشبه الطوق حول منابع النفظ والغاز «28 قاعدة مُعلنة أكبرها – قاعدة التنف – في حقل العمر النفظي» وذلك لإدامة عملية نهب الثروة النفطية والغازية وتسهيل تمريرها من المعابر غير الشرعية.. وحسب بيانات وزارة النفط السورية الأسبوع الماضي فإن قوات الاحتلال الأميركي ومرتزقتها تسرق ما يصل إلى 66 ألف برميل نفط يومياً من مجمل الإنتاج اليومي البالغ 3،80 ألف برميل.

المقاومة الشعبية قضت على وهم الأمان الذي اعتقد المحتل أنه سيدوم كيفما ومتى وأنّى يشاء

الاحتلال الأميركي يقر- وإن بشكل غير مباشر- بأن قواعده لم تعد بأمان، لقد استطاعت المقاومة الشعبية أن تقضي على وهم الأمان الذي اعتقد المحتل أنه سيدوم كيفما ومتى وأنَى يشاء.. وهو وهم مستند إلى وهم أكبر وهو أن أحداً لن يجرؤ ويقترب من قوة احتلال بحجم الولايات المتحدة، والمقصود هنا الجيش السوري، ولكن من قال إن المواجهة والنصر يتحققان فقط بالمعارك المباشرة وبالجيوش النظامية.. دائماً كان للمقاومة الشعبية على مر التاريخ دورها وفعلها المؤثر.. تخرج في وقتها وأوانها، وتكون في مواقعها القتالية، صنو الجيش، تتكامل معه في عقيدة واحدة «وطن – شرف – إخلاص»..هذه هي معادلة القوة والنصر في سورية.

قبل أيام وتحديداً يوم السبت 26 تشرين الثاني الماضي أقر المحتل الأميركي باستهداف قاعدة له في منطقة حقول نفط الجبسة في مدينة الشدادي بثلاث قذائف صاروخية، وأن القصف انطلق على «بعد عين» من القاعدة، وحسب المحللين العسكريين هذا تطور عسكري مهم لمن يقف وراء القصف.

المحتل الأميركي- عامداً متعمداً- لم يسمِ جهة بعينها، هو لا يريد أن يسمي المقاومة السورية الشعبية بالاسم، على فرض أن ذلك سيعطيها دوراً وتأثيراً ما سيضاعف حالة الارتباك ويؤثر في النفوس والمعنويات،  لكن أبناء المنطقة يؤكدون أن المقاومة الشعبية وراء القصف، وأنها لن تتوقف حتى طرد المحتلين.

حالة من الارتباك والاستنفار خيمت على قوات الاحتلال وميليشيا «قسد» المرتبطة به بعد هذه العملية، الطيران المُسير والمروحي الأميركي زرع سماء المنطقة ذهاباً وإياباً، فيما الدوريات لم تنقطع، والجنود في حالة استنفار، علماً أن هذه  حالهم دائماً.

المقاومة الشعبية بمختلف مستوياتها حققت ثلاثة أهداف: وضعت المحتل في «حالة ارتباك واشتباك» فرضت عليه أن يغير سلوكه ومواقعه

اللافت أن هذا القصف جاء بعد ساعات من إقدام المحتل الأميركي على مصادرة منازل الأهالي المطلة على قاعدته في حقل العمر، الأهالي ردوا باحتجاجات واسعة، وبقطع الطرقات ومواجهة دوريات المحتل الذي شنّ عبر ميليشيا «قسد» حملة اعتقال واسعة بهدف وقف الاحتجاجات.. وحسب أبناء المنطقة فإن المقاومة الشعبية ساندت الأهالي وردت بقصف قاعدة المحتل الأميركي في حقول الجبسة.

منذ بداية هذا العام ارتفع مستوى الإحساس بالخطر لدى المحتل الأميركي، وهو مستوى وصل حتى قاعدته في التنف، بعد أن شمل جميع المناطق التي يوجد فيها بصورة غير شرعية أو يستعملها للمرور فقط، وارتفاع مستوى الإحساس بالخطر أجبر المحتل على توسيع حالة الاستنفار براً وجواً بـ:

– نصب بطاريات صواريخ مضادة للطائرات المُسيرة في محيط التنف.

– إطلاق منطاد مراقبة في أجواء الحسكة.

– تكثيف الوجود في قاعدة العمر وكونيكو عبر دوريات جوية تنفذها المروحيات لحماية دوريات سيّارة، خشية من قصف أو هجوم مباغت من جهة، وللتمكن من «الدفاع» من جهة أخرى.

– إطلاق بالونات حرارية للمراقبة، بالتوازي مع الطلب من ميليشيا «قسد» تعزيز نقاطها ودورياتها على امتداد الجهة الشرقية من نهر الفرات، وتكثيف عمليات المداهمة والاعتقال وخطف الشبان وإجبارهم على التجنيد في صفوفها.

– استقدام تعزيزات من قواعد المحتل في العراق، أغلبيتها شاحنات تحمل ذخائر ومدرعات.

هذا يعني أن المقاومة الشعبية بمختلف مستوياتها، وبمختلف وسائلها في الصمود والمواجهة حققت- في هذه المرحلة- ثلاثة أهداف:

– وضعت المحتل في «حالة اشتباك» أو حالة دائمة من «توقع الاشتباك»، مع ما يعنيه ذلك من ضغط نفسي وعسكري «وحتى مالي».

– فرضت عليه أن يغير سلوكه ومواقعه وفق قواعد اشتباك متغيرة هي من يتحكم بها.

– أثبتت للمحتل أن لديها القدرة على البقاء في الميدان، وصولاً إلى حشره بين خيارين:

– إما أن يطالب إدارته في واشنطن بمزيد من الدعم المالي والعسكري لمواجهة تضاعف قوة المقاومة الشعبية والتغير النوعي في عملياتها، وهذا ما لا تريده الإدارة الأميركية لأنها تبني وجودها في سورية على سرقة ما تستطيع سرقته من نفط وغاز ومحاصيل زراعية من خلال انتشار عسكري محدد جغرافياً وديموغرافياً، وهي لا تحتاج أكثر من ذلك مادامت توجد بقوة في الجوار الحدودي العراقي، ومادام المحتل التركي في الشمال شريكاً لها في السرقة والنهب.

– أما الخيار الثاني فهو الانسحاب، كتحصيل حاصل، ما دام الأميركي نفسه يعترف باشتداد وتصاعد عمليات المقاومة الشعبية.

هكذا تنتصر سورية بأهلها.. كل أهلها، على كل محتل معتدٍ حتى لو كان بحجم الولايات المتحدة الأميركية.

أقرأ أيضاً:

أبناء الجزيرة أعلنوا «نفيرهم».. نقاوم تحت راية سورية وجيشها وقائدها ولن نتوقف حتى دحر المحتل

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار