العدوان التركي.. خبث الحديث عن التقاء مصالح روسية- أميركية؟
تشرين- رحيم هادي الشمخي:
لاتزال تركيا تهدد بتوسيع عدوانها على الأراضي السورية في الشمال، عبر الانتقال من الضربات الجوية إلى الضربات البرية، وسط حديث عن تلاقي مصالح بين روسيا والولايات المتحدة، في إشارة إلى أنهما تدعمان توسيع العدوان، أي تدعمان تركيا، وذلك بغض النظر عن التصريحات التي تطلقانها برفض ذلك وبأنه ستصعّب الأوضاع أكثر فأكثر على الأرض.. وسياسياً أيضاً، لناحية ما يتم تداوله حول وجود قنوات اتصال ووساطة بين تركيا وسورية لـ«تطبيع» العلاقات بينهما.
وصل الأمر إلى درجة أن البعض زعم عن مسار إيجابي لهذا العدوان على العلاقات الروسية- الأميركية، ويقولون: إنها أطلقت «تشاوراً أميركياً – روسياً» لم يكن موجوداً من قبل، علماً أنه جرى نفي ذلك من كلا الجانبين، موسكو وواشنطن.
في كل الأحوال.. عندما يتحدثون عن تلاقي مصالح فإن المقصود أو المتعمد فعله، هو التأثير سلباً- بالدرجة الأولى- على العلاقات السورية- الروسية، و«التشكيك» بنيات موسكو تجاه سورية «والأمر نفسه بالنسبة لإيران».. لكن التركيز على روسيا أكبر لأنها أكثر قدرة على التحرك والعمل عسكرياً وسياسياً «فهي موجودة في سورية بناء على طلب رسمي من حكومتها»، وفي الوقت ذاته منخرطة في عدة اتفاقيات ومباحثات دولية بخصوص سورية حيث تركيا جزء أساسي فيها، من أستانا إلى جنيف مروراً باتفاق المناطق الآمنة، إلى جانب مساعيها لفتح قنوات اتصال بين سورية وتركيا.
أما ما يخص «التلاقي» كمصطلح أو كمعنى أو دلالة، فهناك خلط كبير.. التصريحات الأميركية الروسية المتشابهة حيال رفض عملية توسيع العدوان التركي، لا تعني تلاقياً في المصالح، كلا الرفضين مختلفان تماماً، بل هما متباينان جداً، في عبارة أدق، ولنعرض بعض النقاط للتأكيد والتوثيق، مع الإشارة مسبقاً إلى أن ما يرد ليس «دفاعاً» عن تركيا وعدوانها «في حال التبس الأمر على البعض» بقدر ما هو توضيح وتحديد لما يحاول البعض تأويله وتحريفه ضد سورية وحلفائها:
1- إذا ما أخذنا مثلاً أن الولايات المتحدة تدعم كياناً انفصالياً يعمل تحت إمرتها ويُنفذ أجندتها الإر*ها*بية ضد سورية، دولة وشعباً وسيادة واستقلالاً، وتالياً هي ترفض العدوان التركي لأن هدفه الأساس القضاء على هذا الكيان.. فإن روسيا تسعى للتهدئة وللحوار وتقريب وجهات النظر، وهي تعمل مع جميع الأطراف في سبيل ذلك «ومساعيها هذه مُعلنة وليست مخفية».. ومن هنا يأتي رفضها لاستمرار العدوان التركي الذي ترى فيه تهديداً لكل ذلك، خصوصاً أنه ينتهك سيادة دولة مستقلة، هذا عدا عن النيات التركية التوسعية الاستعمارية.. وروسيا ليست ببعيدة عن إدراك هذه النيات، وربما هي أكثر من يجيد التعامل مع تركيا، متخذة في ذلك مسارات عدة، وصولاً إلى جعلها أكثر تعاوناً.
2- تركيا تصف الولايات المتحدة الأميركية بالحليفة، لكنها في المقابل تصنفها كداعم أساسي لتنظيم إر*ها*بي في شمال وشمال شرق سورية وتطالبها بوقف هذا الدعم، والذي هو مالي وعسكري وسياسي، وآخر إعلان لها كان يوم الأربعاء الماضي 30- 11- 2022 على لسان وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو، خلال مؤتمر صحفي بعد اجتماع وزراء خارجية «ناتو»، الذي انعقد بمشاركة تركيا في رومانيا، هذا عدا عن أن تركيا تنعت الولايات المتحدة دائماً بالكذب وتَعيب عليها أن تفعل ذلك وهي قوة عظمى..
في المقابل تركيا لا تفعل المثل مع روسيا التي تتعامل على نحو هادئ وبحكمة شديدة مع هذا العدوان، خصوصاً أن سورية ليست ملفاً بين روسيا وتركيا بقدر ما هي جبهة غربية إضافية ضد روسيا، ومن هنا تنظر الولايات المتحدة إلى العدوان التركي باعتباره إضعافاً لموقف روسيا ومحاصرة لدورها في سورية، أي إن الرفض الأميركي لا يتعدى حدود الكلام، بانتظار جني الأرباح، من ورائها، بمواجهة روسيا.
3- إذا تحدثنا عن الحرج، فإن العدوان التركي يضع واشنطن- وليس موسكو- في موقف محرج، الولايات المتحدة هي من تقدم نفسها كمحارب عالمي للإر*ها*ب فإذا بها تدعمه في سورية وتستجره من جميع البلدان لتتذرع بعدها بمحاربته، ثم لتدعم كياناً انفصالياً مصنفاً ككيان إر*ها*بي في دولة لطالما وصفت بأنها أحد أهم حلفاء واشنطن الدوليين، سواء في المنطقة أو في حلف «ناتو».. وفي حال استمرت الولايات المتحدة على مواقفها، وعلى إدارة الأذن الطرشاء لمطالبات تركيا، فإن الأمور بين الجانبين قد تصل إلى ما لا تحمد عقباه، وربما يكون العدوان التركي الحالي- إذا ما توسع براً- هو خطاب الفصل بينهما.