في يوم التضامن المشؤوم

كل الأيام هي أيام تضامن مع الشعب الفلسطيني المظلوم، ودفاع عن الأرض السليبة، بكل تواضع، وبلا “بسبسة” ولا مزايدة ولا عنتريات، فالتحية للفدائيين الذين ينفثون نار الكفاح في الميادين، لا بألسنة طويلة من خلف الشبابيك، ولا سيراً مخاتلاً فوق جثث الأحرار، لكن ما معنى اليوم العالمي للتضامن؟
إنّه يوم في نظري مشؤوم، لأنّه تدليس تاريخي، سمّ في الدسم، يوم أممي تقرر عام 1977، سبب نزوله هو ذكرى صدور القرار 181 يوم 29-11- 1947 عن الجمعية العامة، القاضي بتقسيم فلسطين، يوم التضامن إذاً هو بتعبير آخر يوم تقسيم فلسطين، يوم دخول الاحتلال عهد الاعتراف الأممي، وهكذا أُضِيفت إلى سجل النضال بالمراسلة مناسبة مسمومة للتعبير عن التضامن في يوم مشؤوم، مشؤوم لأنه يوم تقرر في الزمن الخطأ، والذاكرة الموشومة بلعنة التقسيم والاعتراف المزدوج، بينما المطلوب أن يكون يوم تصعيد الوعي بطبيعة المؤامرة.
والحق يُقال، إنّ هذا القرار بات واقعاً فرض نفسه، ليس بالتقادم فحسب، بل باعتراف كلّ الدول العربية، فلا يوجد بينها من يقول بخلاف التقسيم، كلهم مع حلّ الدولتين.
ولقد تكرس التقسيم بالاحتفال الرسمي والشعبي بهذا اليوم، ألا ترى أنّ أشكال النضال التي سطا عليها الغوغاء وتجار النضال بالمراسلة، غير الصادقين، لم تعد تقدّم جديداً يفتح العقل والقلب بخصوص القضية الأكثر عدالة من بين كل القضايا؟، فلا يتحقق مع وجوههم -التي عليها غبرة ترهقها قترة- أيَّ جلال يعضد القضية، ولا جمال يضيء دربها…
إنّ الخط البياني يتجه نحو التخلي عن الكثير من ثوابت النضال الفلسطيني، فتجار القضية همّهم ملأ العالم ضجيجاً بخطابات مملّة، لا جديد فيها نظراً وعملاً، الغباء المقرون بالأطماع يجعل الدعس على ثوابت الكفاح قضية يقتضيها منطق السباق على المصالح والمواقع، إنه يوم بالأحرى أن يكون يوم استقراف الأساليب الديماغوجية البلهاء، وهذا التكرار الذي بلغ ذروة التّفاهة، بجمود في الشعارات والوجوه التي لا تحسن صنعة غير صنعة المزايدة بقضية لم يكونوا فيها فدائيين في وقت كانت معسكرات الانضمام للكفاح مفتوحة وقريبة، وفي زمن تيسرت السبل لذلك: أين كنتم يا بني قينقاع؟
لكم أن تحتفلوا بيوم التضامن مع ذكرى تقسيم البلد السليب، لكن المهم هو الممانعة ضدّ الاستحمار والاستبغال، فيوم التضامن هو يوم مناهضة الاحتلال والتقسيم، يوم تصحيح الموقف ومناهضة لعبة الاعتراف المزدوج، فالثورة الفلسطينية أكبر من أن تستغبيها أساليب المكر وفرض الأمر الواقع.
كل يوم هو يومك أيها الشعب المكافح للاحتلال، لك وحدك في زمن العبث بشرف القضية، ولا يوم لسماسرة القضايا العادلة ودكاكين النضال بالمراسلة، وصنّاع الديماغوجية الجوفاء، وممتهني حرفة المزايدات الفارغة في مزاد القول المستهلك والتكرار البليد، تحية لأهل الكفاح في ساحات الفداء، نناديكم بصدق وبالبراءة الأولى التي لم تتلوّث بسعار السمسرة، نناديكم ونشد على أياديكم ونبوس الأرض تحت نعالكم، ونقول: نفديكم..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار