وجه «المونديال الفلسطيني»

عبد المنعم علي عيسى:
لا يشير العنوان الوارد أعلاه إلى الوجه الرسمي، الذي نقصد به هنا الحكومات والأنظمة، لكنه يشير إلى الموقف الشعبي الذي ما انفك يثبت عند كل مفصل، وفي كل حدث، أن بوصلته ما زالت ترى في فلسطين وجهة الشمال التي تحدد عادة الوجهة الصحيحة لبقية الاتجاهات.
ما انفكت التقارير والصور الصادرة من قطر، التي تستضيف الحدث الرياضي الأشهر عالمياً، ترصد أحداثاً، على المستوى الشعبي، وهي ذات دلالات تشير إلى أن هذا المستوى الأخير لا يزال في حال من العافية المبشرة، بعكس الحال التي تبديها الأنظمة الرسمية العربية التي راحت تسوق لسياسات تقول إن «الواقعية» تقتضي الذهاب في سياقات هي غير التي كانت معتمدة على امتداد العقود السابقة.
كان اللافت من بين تلك التقارير الإسرائيلية منها، فالعديد من وسائل إعلام هذه الأخيرة كانت تركز على ما «يعانيه» الصهاينة الزائرون في قطر لمتابعة المونديال.
يقول الصحفي الإسرائيلي، يلي دور هوفمان، في تقرير له: «لقد طردوني من المطعم، وصاحب المطعم قام بسحب هاتفي، وأصر على حذف كل الصور المأخوذة في قطر بمجرد أن عرف أنني إسرائيلي»، ثم يضيف هوفمان في تقريره: «سيارة الأجرة رفضت التعامل معنا، ونحن – كصحفيين- لا نستطيع وضع شعار معرّف بنا على ميكرفون وسيلتنا الإعلامية».
في نصف اللوحة الآخر، كانت راية فلسطين التي ترتفع على المدرجات تشير إلى أن الشارع العربي، رغم كل هذا الضباب الذي يُغشي العينين، لا يزال ثابت البصر والبصيرة، وهو مدرك جيداً أن العلة والنتيجة، وبدء وانتهاء الصراع على امتداد الـ14 مليون كم2، سوف تتحدد بناء على ما يسير «الصراع» عليه على أرض الـ27 ألف كم 2، وفي خلفية اللوحة كان هدفان سعوديان في مرمى الأرجنتين، ومثلهما للمغرب في مرمى بلجيكا، كفيلين، لكل ذي بصر، بإبراز معالم هذا الخيط الرفيع، الذي إذا ما اضطرب في الخليج يتردد صداه في أقصى المحيط، رغم نكران الأنظمة والحكومات له، ورغم نأي هذه الأخيرة عن الاستثمار فيه حتى لو كان الفعل بأدنى درجاته الوظيفية.
من الممكن قراءة اللوحة السابقة، التي تبدو للبعض عصية على القراءة، على نحو يؤكد أن الشارع العربي يقف في وادٍ وأنظمته وحكوماته تقف في وادٍ آخر، و«السلام» الذي تنشده هذه الأخيرة مع كيان الاحتلال لا يحظى بمواصفات الديمومة والاستمرار، وإنما هو أشبه بمرحلة عابرة من الصعب الآن التكهن بكم ستطول، أما «السلام» الذي ينشده الأول، أي الشارع العربي، فهو بعيد، وهو لا يشبه «سلام الحكومات»، التي راحت تسوق لاتفاقاتها مع ذلك الكيان عبر مفهوم أطلقت عليه اسم «الواقعية» السياسية التي تقتضي النظر إلى «الحقائق» و«المعطيات» بعين مختلفة عن السابقة، وهي عين التوازنات القائمة، ومعها «حبل المشيمة»، الذي لن ينقطع بين هذا «المخفر» وبين الغرب، لكن تلك «الواقعية» أسقطت من حساباتها عاملي الجغرافيا وحقائق التاريخ اللذين يحيلان، على المدى الطويل، كل تلك «الحقائق» والمعطيات السابقة إلى وضعية «مسامير حديد» لن تلبث أن تتآكل بفعل الزمن و تراكم الصدأ عليها.
لسان حال الشارع العربي اليوم يقول إننا قد نكون خسرنا العديد من الجولات في ميادين العسكرة، وكذا السياسة كنتيجة للفعل الأول، لكننا لم نُهزم بعد في ميادين الإيديولوجيا – الثقافة التي لا يزال حصنها المنيع يقينا من حدوث انهيارات لا قيامة منها، وهي، أي هذه الميادين الأخيرة، كفيلة بإبقاء جذوة الروح متقدة بما يكفي للقول إن الصراع لم يُحسم بعد، وإن الانتصار فيه سيكون لحقائق الجغرافيا وحقائق التاريخ، وإن الطارئ عليهما سيغرق حتما حتى لو كان يسير في مركب من ذهب.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار