«حكايات» محمد ناصر الشبلي.. جمالياتُ القول في مسرح الطفل
تشرين- بديع منير صنيج:
منذ اللحظات الأولى لعرض «حكايات» تأليف وإخراج محمد ناصر الشبلي تم كسر الجدار الرابع مع جمهور الأطفال في مسرح القباني، من خلال فرقة جوالة تحكي الحكايات بطرافة تستقطب متابعيها الصغاروتجذبهم بأساليبها المختلفة، فمرة من خلال الحكواتي «جسّده غسان الدبس» الذي يجلس على طرف الخشبة بطربوشه الأحمر وبحيوية أسلوبه في سرد حكاية الطفلة عصفورة «رولا طهماز» التي تتصدى لرجل من القرية «عبد السلام البدوي» أثناء مشاهدته، وهو يسعى لممارسة هوايته باصطياد العصافير عبر شبكته، ورغم محاولاتها بثنيه عن ذلك، واختيار هواية أخرى، لكنه يرفض، فتضطر بمساعدة صديقتها جسَّدتها «لميس عباس» لإخافته، من خلال تقمُّص الصديقة شخصية الغول الذي سيأكله كما يرغب هو في أكل العصافير، وبهذه الحيلة استطاعتا أن تأخذا منه تعهداً بعدم التعرض للعصافير الجميلة.
وفي حكاية أخرى يحملنا العرض عبر صندوق الدنيا الذي تديره السيدة الجميلة «لميس عباس» ويجذب إليه المتفرجين الصغار، حتى لو لم يمتلكوا ثمن تلك الفرجة، إلى قصة القروي«محمد ناصر الشبلي» الراغب في قطع شجرة كبيرة من منتصف الغابة وبناء منزل مكانها، لكن القرد الذي يعيش بين أغصانها جسده «وليد الدبس» رفض ذلك، وكلَّما هدَّده لفظياً، يقوم الحطّاب بتلفيق الأكاذيب أن ذاك القرد بات متوحشاً، فمرة شجّ رأسه بجوزة هند، وأخرى كسر يده، وثالثة كسر عنقه، ورغم تصديق أهالي القرية في البداية، وخاصة صاحب الأنف الذي لا يخطئ «سليمان قطان»، لكنهم اكتشفوا الكذبة وعاقبوا فاعلها على سلوكه الشائن تجاه الأشجار.
أما الحكاية الثالثة فكانت من نصيب الجَدّ خفيف السمع الذي يروي لحفيده الصغير قصة عازف الكمان الذي يلتقي بحورية البحر الحزينة، لأن البشر يلوّثون المياه، فيسعى لإقناعهم بأهمية عدم هدر المياه العذبة، وضرورة عدم تلويث مياه البحر، ورغم الصعوبات التي يواجهها في ذلك، لكنه يتمكن في النهاية من تحقيق مبتغاه.
رغم بساطة الحكايات وطرحها المباشر، فإن الاعتماد على تقنية المسرح داخل المسرح، أضفى حيوية كبيرة على أنماط الفرجة، وأساليب القول، حيث غُلِّفت بالإبهار، وشيء كبير من السِّحرية، المُعزَّزة مع حضور الممثلين اللافت والمُحبَّب، في تعاطيهم مع شخصياتهم، وفي قدرتهم على جذب الأطفال إلى مغزى الحكاية، وتحقيق تفاعلهم معها، مرة عبر طرح الأسئلة، وأخرى من خلال إخفاء القرد عن عيون أهل القرية، وغير ذلك من رهافة في التعاطي مع خصوصية هذا الجمهور، سواء من قبل الممثلين الكبار بحركاتهم وأسلوبية حديثهم، أو من جهة الطفلين «مراد النوري» و«ميار النوري» في أول تجاربهما المسرحية، اللذين حققا حضوراً لافتاً بعفويتهما الآسرة، سواء بشخصية أبناء القرد، أو الحفيدين، أو الطفلين الفقيرين الراغبين في الفرجة على صندوق الدنيا.
وزاد من جماليات العرض حساسية إضاءة بسام حميدي للمواقف الدرامية المختلفة، مع الشاشة بخياراتها المبهجة في عمق الخشبة، والتي تحولت إلى خيال الظل، وأيضاً الأزياء التي صممها بحرفية عالية يوسف النوري، إذ بدت الشخصيات وكأنها خارجة من كتب الحكايات الجميلة، بمساعدة مكياج راما فليون، إلى جانب موسيقا عيسى النجار التي عززت الدراما من دون أن تثقل كاهل العرض بصخب غير مبرر، كما يحصل في الآونة الأخيرة ضمن كثير من مسرحيات الأطفال، إضافة إلى بساطة ديكور نسرين عوض وقدرته على تحقيق انتقالات سلسة بين الأجواء الكثيرة التي حملتها المسرحية من الغابة إلى ساحة القرية ثم منزل العائلة وشاطئ البحر وغير ذلك.
بمعنى إن «حكايات» محمد ناصر الشبلي انتهجت أسلوباً مغايراً في الطرح، ما جعلها إلى جانب قدرتها التوعوية العالية، قادرة على أن تمتلك حيوية آسرة في القول وجاذبية مهمة لجمهور الأطفال وأهلهم طوال زمن العرض الذي امتد على خمس وأربعين دقيقة من المتعة الخالصة.