في بحرٍ كامل.. أليسار عمران ترمي حفنةً من أسرارها
تشرين- رفاه حبيب:
“دعني
أنحني لجلال روحك
التي ما فارقتني يوماً،
تدقّ على أوتار فؤادي..
تتدفق أصابعها بالنور،
فأنشدُ وقيثارتك لحن الخلود”..
بهذه الدفقة الشعرية؛ تبدأ الشاعرة أليسار عمران مجموعتها الشعرية الأولى (حفنة أسرار)، الصادرة عن دار التنوير للطباعة والنشر في دمشق، وقد ضمت “حفنة الأسرار” هذه سبعة وأربعين نصاً شعرياً تتنوع بين التفعيلة والموزون.. أخذتنا الشاعرة خلالها إلى حقولٍ من بنفسج الكلام وياسمينه مجازه..
فقد حلّقت بنا في عوالم مختلفة تتأرجح ما بين اللهفة والعتاب وأحاديث الغيم..
فقد أرادت الشاعرة من خلال العنوان جعلنا نخوض مغامرة بين أقبية حروفها الجميلة، ونقف عند عتبات كل سرٍّ من أسرارها لنلج إلى عمق المعنى مكتشفين كُنه تلك الأسرار الجمالية.. فبلغةٍ سلسة قريبة إلى الروح تدعونا الشاعرة من خلال العنوان المميز، أن نبحر معها في أول نص من المجموعة حين تقول:
“بلا كفّيك
تشيخُ طفولة الفنجان،
يموت الموج في الشطآن،
ولا لون يُضاف إلى بسمة الرمان
بغير سمائك عطشى غيمة الأحزان..
أغيب ولم تغب كفاك
إليك أسير دون هدى
يولد في صدري ألف صدى
تردّ إليّ تكويني.. وعشريني.. وتشريني”.
وفي نصٍّ آخر من الشعر الموزون، وعلى البحر الكامل؛ تنسج الشاعرة حروفاً من وهج الحب بكلماتٍ محبوكة بشكلٍ رائع ومتقن، وموسيقا تطرب الروح تقول:
“تمحو حروف الخمر مملكة الهوى
وتحيلني لحناً على الوترين
ويدندن العطر الذي خبأته
فوق الغيوم السابحات بعيني
نبتت أزاهير مهجتي في وجهه
وشهقت، لا للّاه في النجدين”
ثمّ تعود الشاعرة في نص يحمل كل معاني الجمال والعذوبة، وكأنها تروي قصة عشق بكل تفاصيلها.. تحملنا على جناحي سنونوة الأمل، لنحطّ في روض من الحروف الشفافة المسبوكة بماء الورد، فهي العاشقة الجميلة التي تسرد الدهشة بلغةٍ شعرية شفيفة تلامس شغاف القلب حين تقول في نص (ورقة في الذاكرة):
“في تمام الخامسة عشرة من توقيت الحب؛
كان موعد عبور الشعاع الأول
حين بسط القلب كفّيه
ليقرأ فاتحة الكتاب”..
كما يبدو ميل الشاعرة لحبك قصائدها على البحر الكامل، فها هي تنسج من عبير الأقاحي وهديل الحمام، قصيدة أخرى عنونتها بـ(عتب الحمام).. تقول في عتاب رقيقٍ وبوحٍ شفيف:
أتظنُّ أنّي لا أداري لهفتي
وأكفكف الدمعات حين بكائي
وتظنّ أنّ النار فيّ توقدت
وسقطتُ كالبركان فوق شتائي
وتظن أني قد سلوتُ للحظة
ونسيتُ أنّك كالسماء ردائي”
ومع (مذكرة وطن) ختمت أليسار مجموعتها بهمسة حب أرسلتها عبر حروفها، إلى كل من يحلق في سماء الأبجدية، وإلى كل من يعشق الكتابة، ويحاول التسلق إلى قمة مجدها، في كلماتٍ حملت نبل روحها وعمق تفكيرها وحسها الشعري إذ تقول:
“دعونا نقرأ.. فكتاباتنا هي نحن
وحده القلم يزحف على الرمال،
ويصرخ حين يقتله الوجع،
فالقلم بشريّ مثلنا يبكي ويضحك
الوطن فكرة..
تعالوا نُشعل شرارته من مئذنة شجرة،
وضحكة طفل،
وامتنان شيخ كبير..”