على هامش المونديال.. الإسرائيليون يكتشفون أن الشعوب العربية ترفض التطبيع
تشرين- شوكت أبو فخر:
بموازاة الهرولة الرسمية المجانية نحو التطبيع مع «إسرائيل»، ثمّة حقائق تبقى راسخة، ولا يرقى إليها الشك، وهي الرفض الشعبي العربي القطعي لمسار التطبيع، رغم كل ما يحاك ويقال في هذا المجال.
الأمر بات مربكاً ومقلقاً لقادة كيان الاحتلال، الذين اكتشفوا أنهم رغم كل الهرولة الرسمية والتنسيق المعلن، والمخفي لبعض الأنظمة، إلّا أن الشعوب العربية ترفض بالمطلق هذا الأمر، وعلى هامش مونديال قطر رصدت قناة تلفزيونية عبرية موجة غضب عربي لفكرة مشاركة الإسرائيليين في مونديال قطر وصلت حدّ التصادم.
وقالت: إن «تجمعات الجماهير العربية لا تخلو من الأعلام الفلسطينية التي يرفعها المشجعون تضامناً مع القضية الفلسطينية»، لافتة إلى أن «الجماهير التونسية رفعت شعار: «لا للتطبيع مع إسرائيل»، والتونسيون هم أكبر شريحة في قطر إذ يصل عدد العاملين في قطر إلى أكثر من 30 ألف عامل، وحسب مراسل القناة التلفزيونية العبرية بأنه تحدث مع بعض المشجعين العرب في مقاهي سوق «واقف»، ونقل عنهم قولهم «إلى أن القضية الفلسطينية في هي في سلم أولويات الشعوب لا الحكومات».
وأكدت له مجموعة من الشباب التونسيين، أحدهم يسكن في كندا وآخر يعمل في فرنسا، أن تونس ترفض التطبيع مع «إسرائيل»، وأن القيادة التونسية تعي رفض الشارع للتطبيع رغم الإغراءات الاقتصادية التي تسعى دول إلى تقديمها إلى جانب صندوق النقد الدولي مقابل فتح علاقات مع «إسرائيل»، بينما أشار آخر إلى أن الجزائر تقف سداً منيعاً أمام التطبيع.
واستنتجت القناة العبرية أنه على الرغم من مضي عامين «على اتفاقيات إبراهام ورغم تطبيع دول عربية علاقتها مع «إسرائيل»، فإن الاحتكاك مع الشعوب تحديداً العربية في شمال إفريقيا يكشف رفضها فكرة العلاقات مع «إسرائيل»، رغم أن الحالة كانت تبدو قبل عامين لجهة القول إن «إسرائيل» بدأت تخترق العالم العربي، وتطبّع علاقتها من دون أي رفض، أي لا تزال المواقف الشعبية على حالها السابقة والثابتة من الصراع العربي- الإسرائيلي، المؤيدة للقضية الفلسطينية والرافضة لأي شكل من أشكال التطبيع العربي – الإسرائيلي.
وتظهر دراسة أجرتها وزارة الشؤون الاستراتيجية في الكيان الإسرائيلي بين منتصف آب ومنتصف أيلول، لمضمون المنشورات في وسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي، عن اتفاقيات التطبيع الموقعة أخيراً، خيبة أمل كبيرة للآمال الإسرائيلية في هذا المجال.
وحسب نتائج الدراسة، فإن موقف 81% من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي العرب كان سلبياً تجاه اتفاقيات التطبيع، و8 % لديهم آراء سلبية جداً وفقط 5 % رأوها «إيجابية»، أي إن 89 % من المنشورات العربية كانت سلبية تجاه التطبيع، بينما عدّت 45 % من التعليقات المنشورة في العالم العربي، اتفاق التطبيع الإسرائيلي- العربي أنه «خيانة»، كما بيّنت الدراسة أن المدافعين عن التطبيع، وهم الأقلية، ركّزوا على مزايا الصفقات الأمنية والاقتصادية مع «إسرائيل»، وهو موضوع تسوق له آلة الإعلام الرسمية لتسويغ التطبيع، وإلباسه لباس المصلحة «الوطنية».
اليوم حين نلمس بقوة أن هرولة الرسميين يوازيها رفض شعبي قطعي، نتأكد أن قطار التطبيع الرسمي مرفوضٌ ومجرّم شعبياً، وفلسطين باقية في الوجدان الشعبي العربي، وقضية فلسطين، بهذا المعنى، لم تمت، بل ربما تكون ولدت من جديد.
وعلى صعيد العمل البرلماني والنقابي ومؤسسات المجتمع المدني العربي، هناك جهد كبير يسعى إلى الوقوف بقوة في وجه التطبيع الشعبي، يتبدّى هذا في محاولات سن قوانين تجرّم التطبيع في العديد من الدول العربية.
أما في الأردن ومصر، حيث التطبيع مشرّع قانونياً، وفق اتفاقيتي وادي عربة وكامب ديفيد، إلّا أنه مجرّم وفق قرارات النقابات المهنية، وكذا الحال في غير بلد عربي، بالقدر الذي يتيح فيه سقف الحريات العامة إمكانية التعبير عن الرأي، ويترافق هذا كله مع حملات فقهية تجرّم التطبيع وتحرّمه، وتجعله في منزلةٍ مرفوضة دينياً.
الشعوب لمّا تزل قابضةً على جمر الحقيقة، وبقيت كلمة المقاومة هي المشعل الوحيد الذي لمّا يزل ينير العتم، وهي الدليل الأكبر على أن هذه الأمة لم تمت، فهي حيةٌ في قلوب الملايين.. والمقاومة هنا ليست فقط الفصائل التي ترفض وضع السلاح والسير في زفّة الاستسلام، بل هي أيضا تلك الروح التي لمّا تزل تتجلى في قلوب ملايين العرب.