تصحيحٌ بلا حدودٍ
الاحتفاءُ بكلّ الملامح الناصعة في ذاكرة هذا الوطن الذي نَعشقُ، هو وفاءٌ وإصرارٌ على توثيقٍ جديدٍ لعقد المواطنة بتوقيع الوجدان قبل البنان، هكذا هي فلسفةُ الانتماء، وهذا هو إدراكُ فحوى الهوية التي هي، بالتأكيد، أعمقُ بكثيرٍ من مجرد إشعارٍ أو وثيقة جيبٍ.
لكنّ للتصحيح المجيد وقعاً آخر وإيقاعاً نظنّه أكثر التصاقاً بديناميكية التجدّد التي فُطرنا عليها نحن بني البشر، وتالياً المجتمعات، فالمجدُ لايمكن أن يكون مجرد ذكرى للاحتفاء، بل هو «أملٌ وعملٌ» وتفاؤلٌ ودأبٌ لا يعرف الانكفاء، وإصرارٌ على تصحيح وتصويب المسار، ليكون التصحيح مجيداً والطريق إلى المجد صحيحاً.
هذه هي حقيقةُ التصحيح وروحيّته التي ينتجها الفردُ قبل المؤسسة، والمجتمع قبل الدولة، لأن بدهيات الدنيا علّمتنا أن التصالحَ مع الأوطان لا يمكن أن يكون تامّاً وناجزاً إن لم يسبقة تصالحٌ مع الذات.
ولعلّنا اليوم، نحنُ بأمسّ الحاجة إلى تصحيحٍ يلامسُ تفاصيلَ كثيرة في حياتنا، نحن السوريين، وكذلك إلى إعادة تصويبٍ مختلفة تبدأ من الفرد الإنسان قبل المؤسسة، وهذه مهمّةٌ ذاتيّة بالمطلق، ولعلها هي ذاتها «إعادةُ الهندسة» الشخصيّة التي توازي إعادةَ الهيكلة كمفهوم عامٍ نستخدمه عادةً في المضمارالاقتصادي.. إعادةُ هندسة حياتنا بأولوياتها وأهدافها بعد أن بعثرتها، وشتّتها الحربُ، بل ربما هي ضرورةٌ بوجود حربٍ أو بلا حرب، لأن ثمة متغيّرات حادةً عصفت، وتعصفُ بهذا العالم تُملي، وتفرض إعادةَ النظر هذه، التي نحن ربما لم ننتبه إليها لأننا انشغلنا بهمومنا في الداخل.
فقد انكسرت، وتصدّعت ثوابتٌ كنّا نظّنها لن تنكسرَ يوماً، وتبدّلت مفاهيمٌ، واندثرت مهنٌ، وانهارت أنساقٌ كثيرةٌ في ثقافة الحياة، وباتت هي و العالم بملامحَ جديدةٍ لا تقبل التجاهلَ.
فالتصحيحُ يعني تموضعاً جديداً وزاويةَ وقوفٍ لرؤية مختلفة للأولويات.. إنّه عملٌ بذهنيّة بناءة تُحاكي كلّ مايجري في هذه الدنيا.
بهذه المصافحةِ الدافئة مع المستقبل يمكنُ أن نحتفي بذكرى التصحيح، بالنهج الخلاق ذاته الذي أرساه القائد المؤسّس حافظ الأسد، و نسير به بقيادة الرئيس بشارالأسد.
كلُّ عامٍ وسورية صامدةٌ منتصرةٌ.. نقولها من على منبر«تشرين» التي هي ثمرةٌ من ثمار التصحيح، وقد كنّا على موعدٍ منذ شهر ونيّفٍ مع ذكرى تأسيسها السابعة والأربعين.