إرادة شعب في صنع النصر
تشرين- د.رحيم هادي الشمخي:
لا يمكن إلّا أن تكون حاضرة، بل إن ما جرى ويجري على الساحة العربية، والسورية خاصة، ولا سيما في العقدين الماضيين، هو من يؤكد حضورها.. وحتى يستدعيه، ليس فقط من باب الاحتفاء والتذكير، وهي الحدث التاريخي المجيد، وإنما لاستكمال صورة المؤامرة التي تتعرض لها سورية وجميع الأمة.. ولتوثيق هذه المؤامرة بأطرافها وأحداثها، للحقيقة والتاريخ وللأجيال القادمة، بما يُحصّنها، وجداناً ووعياً وانتماءً، لتبقى الأوطان شامخة عزيزة، قوية منيعة على كل معتدٍ، وعلى كل خوان متآمر.
لا يمكن إلّا أن تكون حاضرة.. ونحن هنا نتحدث عن الحركة التصحيحية المجيدة التي أطلقها القائد المؤسس حافظ الأسد التي نحتفي اليوم بمرور 52 عاماً منذ أول أيامها في 16 تشرين الثاني من عام 1970 ليكون يوماً لفجر سوري- عربي- قومي جديد، أسس لسورية القوية المنيعة المحصنة داخلياً.. ولسورية المكانة والدور والتأثير إقليمياً.
ولأن التصحيح كان حاجة ملحة وأمراً لازماً في ظروف استحكمت واستعصت، كان من غير الممكن أن يكون هذا التصحيح مؤطراً باتجاه واحد، أو أن يكون على صعيد داخلي فقط «أي الداخل السوري» باعتبار أن الكثير من الأحداث في المنطقة في ذلك الوقت كان لها تأثير مباشر على سورية، لذلك كانت الحركة التصحيحية حركة داخلية ببعد عربي- اقليمي، وحتى دولي، فسورية منذ استقلالها في عام 1946 كانت مستهدفة، ولم تتوقف المؤامرات عليها، فإذا لم تنجح هذه المؤامرات في اسقاط استقلالها أو في جعلها دولة ضعيفة «كما كان العدو يخطط» فلا بدّ أن تبقى دولة تتناهبها الاضطرابات والأزمات والانقسامات، فهي كفيلة أن تحولها إلى دولة فاشلة تابعة لا تأثير لها، ولا قرار، على المستوى الوطني، ولا في محيطها العربي/الاقليمي.
ولأن سورية كانت فعلاً تعيش ظروفاً غير سليمة، خصوصاً في عقدي الخمسينيات والستينيات، ومع توسع دائرة الانقسامات وتعمق الخلافات والاختلافات لدرجة تهديد أسس الاستقلال الذي ناضل الشعب السوري عقوداً طويلة لتحقيقه.. لأجل ذلك كان لا بدّ من اتخاذ القرار والبدء بحركة تصحيحية شاملة، تصحح المسار الوطني ليكون الوطن أولوية فوق كل الأولويات والاعتبارات والمصالح الضيقة، ولتكون سورية عنواناً قومياً بارزاً يُعلي قضايا الأمة ويضعها في مقدمة أهدافه وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وما زالت هذه حال سورية، وستبقى مادام نهج التصحيح حيّاً ينبض قوة وعزة في أبناء سورية جيلاً بعد جيل.
لذلك نقول إن الحركة التصحيحية كانت قراراً من القائد المؤسس حافظ الأسد جاء في وقته و أوانه.. قرار ارتقى إلى مرتبة ثورة، إذا جاز لنا التعبير.. ثورة تصحيح وتطوير وتحديث بنت سورية الحديثة على أسس الأمن والاستقرار والازدهار والعدالة الاجتماعية.. ولأنها ثورة كان عنوانها الأول هو الشعب السوري، وكانت معنية به وبأمنه وكرامته، اصطف معها السوريون وزادوها قوة وشمولاً، وعملوا على استمرارها عاماً بعد عام.. كيف لا وهم من كان يعيش إنجازاتها، وهم من كان يرى كيف انعكست ببعدها القومي على بلادهم لتأخذ مكانها ودورها، وليفاخروا بها وبانتمائهم إليها.
يحتفي السوريون بالحركة التصحيحية كأول انتصاراتهم ما بعد الاستقلال، وكانتصار أسس لأول انتصار تاريخي على العدو الإسرائيلي في 6 تشرين الأول من عام 1973.. ألم تكن حرب تشرين التحريرية انتصاراً ألهم حركات المقاومة وعزز فيها روح النضال والقتال لمقارعة عدو تقف وراءه أعتى القوى الإمبريالية العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية.. ألم يكن انتصاراً أسقط وهم «الجيش الذي لا يُقهر»، و وهمَ أن هزيمة الكيان الإسرائيلي مستحيلة.. ألم يكن انتصاراً أسس لانتصارين لاحقين على هذا العدو في عام 2000 وفي عام 2006؟
نعم كان كذلك.. ولأنه كذلك نجد السوريين يؤكدون في كل ذكرى للحركة التصحيحية أنهم أوفياء لنهجها ولنهج القائد المؤسس حافظ الأسد الذي خرج منهم وكان لصيق همومهم، يعيش يومياتهم وكأنه معهم في بيت واحد.. وكان موئل آمالهم وطموحاتهم.. ومن ترجم انتماءهم العربي وتطلعاتهم القومية أهدافاً رفعها، ليس فقط على مستوى حزب البعث العربي الاشتراكي في «أمة عربية واحدة.. ذات رسالة خالدة» بل على مستويات داخلية شتى، كما الحال في مشاريع اقتصادية عديدة أرادها مشاريع جامعة موحدة متكاملة، تدفع باتجاه تعميق وتجذير التضامن والتلاحم بين دول الأمة الواحدة.
عندما يحتفي السوريون بذكرى الحركة التصحيحية يحتفون بها كحركة سورية – عربية يتابع مسيرتها السيد الرئيس بشار الأسد رغم شراسة المؤامرة التي تتعرض لها بلاده.. لم تدخل الحركة التصحيحية – رغم مرور 52 عاماً عليها- في باب «حركة للذكرى» بل ما زالت حركة للمستقبل، حركة للوطن، وللشعب، تماماً كما أرادها القائد المؤسس حافظ الأسد.
كاتب وأكاديمي من العراق
للمزيد أقرأ أيضاً: