رجال الميدان قالوا كلمتهم: لا مكان للتراجع

تشرين- شوكت أبو فخر:
تتيح القراءة الهادئة، وإعمال العقل وإعادة النظر، بعيداً عن نزق اللحظات، فهماً أفضل للأحدث.. دعونا نتفق أن التغيير بمجمله فعل معقد، وعصي على فهم بعض الناس، مع إن من قام به أناس وصلوا إلى قناعة تامة بالتغيير، مع علمهم المسبق أن الثمن باهظ.
نسوق هذه المقدمة لمناسبة الذكرى الثانية والخمسين لقيام الحركة التصحيحية المجيدة، التي قادها القائد المؤسس حافظ الأسد، والتي نقلت من ناحية الفعل، سورية من حالة عدم الاستقرار في الحياة السياسية، إلى حالة التقدم والقوة والثبات والاستقرار السياسي، وأعطت لسورية مكانتها ودورها الوطني والقومي الذي يتناسب مع موقعها الإستراتيجي عربياً وإقليمياً على تحقيق الأهداف والإنجازات.
من هذا المنطلق، وعند دراسة المرحلة السابقة من عمر الوطن، وما مرّ به، وعليه، لا بدّ من التوقف عند محطة التصحيح، لأن التصحيح شكل مفصلاً مهماً عميق الأثر في تاريخ سورية المعاصر.
إن القراءة النقدية المتفحصة، الدقيقة والموضوعية للتصحيح، وأخذ المواقف كلها، مع أو ضد، يذهب بنا إلى القول، إنها في لحظة راهنة آنذاك، وفي عالم يمور ويتقلب، كانت قادرة على التعامل مع واقع متغير ومتبدل.
اعتمدت الحركة التصحيحة على رؤية في العمل السياسي تقوم على الفكر والممارسة باعتبارهما «صنوان لا يفترقان» وذلك من خلال التوازن بين النظرية والتطبيق، إضافة إلى وجود مزيج متكافئ ومتوازن من حجم التحدي والاستجابة لمواجهته، والرد عليه ومنع هذا التحدي من الوصول إلى مرحلة الفعل والتأثير.
لم يكن من السهولة انتهاج مسار تصحيح ثوري، والبلد تغلي، لكن لا بدّ منه، هذا التصحيح بدأ بتصحيح الوعي، فكان منعطفاً جديداً لقيام الإصلاحات والإنجازات من أجل بناء سورية الحديثة، فقد أدخلت الحركة التصحيحية إصلاحات جديدة إلى حزب البعث، وأنهت الصراعات الداخلية فيه، وتشكّل مجلس الشعب، وجرى توحيد الأحزاب الرئيسة في الجبهة الوطنية التقدمية، ووُضع دستور دائم، وكل هذا مهّد لانتصار تشرين 1973، والنصر القومي الكبير الذي تحقق، وقد جاءت آثار هذه الحرب ونتائجها بالغة الأهمية على الصعيد القومي والعربي، والعسكري والدولي.
يقول القائد المؤسس مبيّناً قومية المعركة و النصر: «أروع الإنجازات وأبعدها أثراً هو ما تحقق على الصعيد القومي، وأبرزها حرب تشرين التحريرية التي خاضت قواتنا المسلّحة غمارها على جبهة الجولان ببسالة تبعث على الفخار، وكفاءة تدعو إلى الاعتزاز، وحققت مع القوات العربية المصرية الباسلة على جبهة سيناء، ومع سائر الأشقاء الأبطال الذين قاتلوا على الجبهتين، نصراً لأمتنا العربية سيبقى بعيد الأثر في حياتها، وشديد الوطأة على أعدائها حتى يزول العدوان وتعود الحقوق المغتصبة إلى أصحابها».
لقد تواصل نهج التصحيح ومسيرة البناء الداخلي، وهو الأمر الذي لم يرق لأعداء هذا الوطن، والمتربصين بعوامل قوته ومنعته، فكانت الحرب الإ*رها*بية التي هدفت إلى تمزيق وحدة سورية والنيل من استقلال قرارها السياسي وسيادتها الوطنية.
رجال الميدان قالوا كلمتهم، الميدان بمعناه الواسع: لا وجود للتراجع، أو التراخي، ما دمنا نؤمن بصوابية الخيار، ونعمل، وما دمنا نعمل فنحن ننتج..الإنتاج هو التحدي، نصمد بقدر ما ننتج، ننتصر على الحصار الغربي والعقوبات الجائرة بقدر ما ننتج، نكافح الفساد بقدر ما ننتج.. نستعيد القوة ونحقق النهوض ونعيد الإعمار بقدر ما ننتج.. أن ننتج يعني أننا نمتلك الأدوات، امتلاك الأدوات هو أيضاً تحدٍّ، وأن ننتج رغم كل الأزمات والمعوقات الداخلية ورغم كل المخططات والمؤامرات الخارجية لضرب مسار الإنتاج فهذا أيضاً تحدٍّ.. وفي زمن الحروب يصبح تحدي العمل وتحدي الإنتاج هما الأهم في تعزيز الجبهة الداخلية وتصليب صمودها بما يدعم الميدان ويردع العدوان.
اليوم ثمة ظروف معيشية صعبة، ولنكن واقعيين وصادقين مع أنفسنا، ثمة إحباط، ومن هذا الإحباط جاء شعار«الأمل بالعمل».
ليس بالضرورة أن نأخذ «الإحباط» بالمعنى الحرفي السلبي للكلمة، يمكن تحويل الإحباط إلى رافعة نحو «العمل» على قاعدة «الأمل».
في سورية هناك الكثير من العوامل والمقومات التي تدعم الأمل فلا يكون قرين الانتظار فقط، انتظار الفرج، لدينا المقومات لنعمل وننتج، وإذا لم يكن لدينا كل المقومات، فلدينا بعضها مما يمكن العمل عليه والاستثمار فيه لتعزيز العملية الاقتصادية، وحينئذ سيكتب التّاريخ: من هنا، من سورية تم الإعلان عن اندحار مشروع الإر*ه*اب والهيمنة، وإنّ نظاماً عالمياً سيتشكل على أنقاض عهد التّدخّل السّافر، وأزمنة الهزيمة.

 

للمزيد أقرأ ايضاً:

إرادة شعب في صنع النصر

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار