«علاج بالكي» ووصفة لإنعاش الاقتصاد.. الخجا: رفع سعر الفائدة كبح جماح المضاربة وعزّز سيولة المصارف باتجاه الإقراض الإنتاجي
تشرين:
في متابعةٍ للسياسة النقدية ومدى فاعليتها خلال سنوات الحرب والدور المطلوب منها في مرحلة إعادة الإعمار وظروف التضخم التي ازدادت ضغوطها على اقتصادنا لأسبابٍ داخلية وأخرى دولية ، ولا سيما بعد جائحة كورونا والحرب الروسية- الأوكرانية، استضافت منصة «تشرين» لهذا الأسبوع مدير عام المصرف التجاري السوري «أكبر مصرف في سورية» الدكتور علي يوسف ورئيسة قسم الأبحاث الاقتصادية في مصرف سورية المركزي جمانة الخجا.
مع وصول سعر الفائدة إلى عتبة الـ 11% كحدّ أدنى خلال العام الجاري بموجب زيادة بلغت أربع نقاط مئوية وفقاً للقرار رقم ٦٨ للعام الجاري، لا يرى المصرفيون ضيراً في رفع سعر الفائدة الذي يعرّف اقتصادياً بأنه أداة مهمة للسياسة النقدية بغية تحقيق التوازن النقدي والاقتصادي والمرتبط بظروف اقتصادية عالمية تتخطى العامل المحلي في هذه الأوقات، ليبقى السعر المحدد حالياً مرشحاً للتغيير وفقاً للمراجعات الدورية لسياسات سعر الفائدة التي يواظب عليها المصرف المركزي آخذاً في الحسبان تطور المؤشرات الاقتصادية وسلامة القطاع المصرفي ومصلحة المودعين.
وتُعرّف رئيسة قسم الأبحاث الاقتصادية في مصرف سورية المركزي جمانة الخجا، رفع سعر الفائدة بأنه أداة مهمة للسياسة النقدية لضبط العرض النقدي واستيعاب التضخم وإعادة التوازن النقدي والاقتصادي من خلال إدارة السيولة لدى القطاع المصرفي وتوجيهها لدعم المشروعات الإنتاجية الداعمة للمتطلبات الاقتصادية على نحوٍ يحقق النمو والتشغيل.
وتوضّح أن سبب اللجوء إلى استخدام هذه الأداة هو تحقيق هدف السياسة النقدية المتمثل بتحقيق استقرار في الأسعار، وفي سبيل ذلك يتم استخدام الأدوات النقدية، وهي تصنف على أنها قنوات لنقل أثر السياسة النقدية، مبينة أن المصرف المركزي وضمن التوجّهات العامة للحكومة، وكذلك ضمن متطلبات الاقتصاد الوطني، يُجري تعديلات دورية على سعر الفائدة، كما أكدت الخجا أن سياسات سعر الفائدة تُراجع دورياً وتُدرس بناء على تطور المؤشرات الاقتصادية، بما في ذلك مؤشر التضخم على نحوٍ يصب في مصلحة الأفراد والمصارف.
وتؤكّد الخجا في تصريح خاص لـ ” منصّة تشرين” أن تحديد معدل الفائدة يأخذ في الحسبان تطور المؤشرات الاقتصادية ومصلحة المودعين وحماية أموالهم من التآكل، كما يهتم بسلامة القطاع المصرفي وضمان استمراريته على نحوٍ يضمن التسهيلات الائتمانية التي تساهم في النمو. .
وحسب الخجا، فإن القرار الأخير لمجلس النقد والتسليف والذي حمل رقم ٦٨ والمتضمن رفع سعر الفائدة من 7% إلى 11%،جاء بعد دراسة ومراقبة قام بها المصرف المركزي للمؤشرات الاقتصادية، و كان الهدف من هذه الخطوة هو ربط معدلات الفائدة بالتضخم وحماية أموال المودعين وتالياً الحفاظ على القوة الشرائية ثم التشجيع على الإيداع في المصارف، وكانت الدراسة التحليلية على مستوى الاقتصاد الكلي و الاقتصاد المالي.
ووصفت الدراسة التي بُني عليها القرار الأخير لرفع سعر الفائدة بأنها عملية ومرنة لجهة أنه تم حساب فجوة التضخم وفجوة الناتج و تم إعطاء تثقيلات مختلفة سواء للتضخم أو للناتج ثم ترجيح شيء على حساب شيء آخر، و في النهاية تم التوصل إلى 3 مؤشرات لسعر الفائدة ومن الممكن اعتمادها جميعاً، والثلاثة تخدم في الوضع الراهن، لكن في النهاية تم الاستقرار على رقم 11% لأن الهدف كان تحقيق التوازن سواء بالنسبة للمصارف أو للاقتصاد.
أما عن السبب وراء تحديد المعدل عند 11% فتلفت رئيسة قسم الأبحاث في ” المركزي” إلى أنه تم أخذ السيناريو الوسطي لتجنّب إحداث صدمة للاقتصاد وتالياً نقل أثر السياسة النقدية، أي تم رفع معدل الفائدة 4 نقاط ، ما يعد أمراً مقبولاً و يوازي في الوقت ذاته معدل التضخم ويخضع للمراجعة، وتالياً زيادة قدرة المصارف على جذب الإيداعات طويلة الأجل، والقرار حدد الحد الأدنى لسعر الفائدة على الودائع الآجلة بغية تشجيع الايداع الآجل الذي يشكل قاعدة مهمة للمصارف و تم منح التسهيلات الائتمانية، إذ بقيت التسهيلات الائتمانية محررة وكان الهدف من إبقائها محررة هو دعم التنافسية بين المصارف.
ويبدو أن القناعات استقرّت حول أن رفع معدلات الفائدة على الودائع هو توجيه غير مباشر للمصارف لمنح القروض الإنتاجية، لأنه تم رفع سعر الفائدة على الودائع وجذب الودائع الآجلة التي تشكل قاعدة للمصارف لمنح الائتمان، و لسد فجوات الاستحقاق، أي كان الهدف أن تتحقق لدى المصارف قاعدة سيولة آجلة تسمح لها بتقديم القروض المتوسطة والطويلة التي تخدم العملية الإنتاجية، وفقاً للخجا التي أوضحت أن هناك نتيجة الدراسات تركيزاً على الودائع في المصارف بالنسبة للحسابات الجارية والتي لا تشكل قاعدة لمنح الائتمان ما أعاق منح التسهيلات للقروض متوسطة الأجل وطويلة الأجل، إذ تركزت القروض على نحوٍ كبير على القصيرة الأجل وبنسبة 42% منها ، والتي كانت تتجه في أغلبها إلى المضاربة أو العمليات التجارية التي ليس لها أثر على الاقتصاد، لتؤكد أنه إذا لم توجد قروض طويلة أو متوسطة لدعم العملية الإنتاجية، فالقروض لا تؤثر كثيراً في الاقتصاد وخاصة من الناحية التنموية.
وأوضحت الخجا أنه في ظل الأزمة التي نمر فيها، هناك توجهات اقتصادية عامة يجب أن نراعيها، وتشير إلى أن سعر الفائدة عُدِّل عام 2018 بالقرار 91 وحدد الفائدة وقتها بـ 7% وأبقى التسهيلات الائتمانية محررةً.
والدراسة الأخيرة وجدت أنه في هذه المرحلة يجب أن يتخذ قرار رفع سعر الفائدة، والرفع كان إلى 11% ولا يعد رقماً كبيراً إذا ما نظرنا إليه كنسبة، وتناسب مع التضخم الذي زاد على 59% .
لافتةً إلى أنه نتيجة للقرار الأخير زاد إجمالي الودائع في المصارف الخاصة بمعدل 24%, والودائع الآجلة 33% كما زادت القروض متوسطة الأجل ووصلت إلى 45% مقابل 17% لقصيرة الأجل، وهي نسبة كبيرة للقروض متوسطة الأجل لم تسجل سابقاً.