«ملف تشرين».. اللصوصية الأمريكية بالأرقام والوقائع.. رصد عن قرب لأكبر جريمة سرقة معلنة.. الشمال السوري مسرح لـ«قراصنة النفط الحرام»

د.مارديني: 80% من النفط السوري ونصف غازها يقعان في مناطق خاضعة لسيطرة قسد وهذا يعني أنّ الولايات المتحدة الأمريكية وضعت يدها على معظم الثروة النفطية والغازية السورية.. جاويش: هذه السرقة انتهاك خطير للقانون الدولي ولأنظمة لاهاي لعام 1907 واتفاقية جنيف 1949 بشأن حماية حقوق المدنيين أثناء الحروب والتي تحظر بوضوح أعمال النهب

تشرين – خاص:
لم يكن صدفةّ أن الولايات المتحدة اختارت مناطق شمال شرق سورية، لتحتلها، بل كان ذلك وفق مخطط مسبق، محدد ومدروس، حيث الهدف واضح، وهو النفط.. وحيث هناك عوامل جغرافية وديموغرافية تسهل تحقيق هذا المخطط، إضافة إلى وجود الذريعة وهي مزاعم محاربة تنظيم «داعش» الإرهابي الذي دخل إلى المنطقة قادماً من العراق وعبر الحدود التي يُفترض أنها تحت نظر الأمريكيين وعلى مرمى حجر منهم، لكنهم بدلاً من منعه، سمحوا له بالعبور وبالسيطرة ونشر إرهابه حتى عم المنطقة ممتداً إلى الشمال تحت نظر العدو الثاني، أي التركي «بعد الأمريكي» وأيضاً على مرمى حجر منه، لتخرج الولايات المتحدة «وتركيا طبعاً» وتعلن أنها قررت محاربة «داعش» والقضاء عليه حيث نشرت قواتها في المنطقة «ومثلها فعلت تركيا» لتتحول سريعاً إلى قوات احتلال بإعلان أميركي واضح وصريح «كذلك فعلت تركيا» وكلاهما بذريعة مكافحة الإرهاب، وتحت هذه الذريعة المستمرة يعمل كل من الاحتلالين الأمريكي والتركي على نهب ثروات السوريين من النفط ومن المحاصيل الزراعية وعلى رأسها القمح، الذي هو من المحاصيل الإستراتيجية لأي دولة، وسورية كان لديها اكتفاء ذاتي من القمح وغيره من المحاصيل الإستراتيجية حتى عام 2011 عندما بدأت المؤامرة الإرهابية عليها في صورة حرب هي الأشرس والأقسى بكوارثها ومآسيها على الشعب السوري.
جريمة سرقة النفط السوري من المحتل الأمريكي، هي جريمة موصوفة موثقة بالشهود والصور، وحتى باعتراف المجرم نفسه وبما ينتهك كل القوانين والمواثيق والأعراف الدولية التي وضعها المجتمع الدولي ما بعد الحرب العالمية الثانية لإحلال السلام والأمن العالمي من خلال منع نشوب الحروب والاعتداءات ودرءاً لكوارثها ومآسيها التي تنعكس على الشعوب خاصة.

المهمة والهدف
«تشرين» وعلى مدى أيام عملت على كشف المزيد من تفاصيل هذه الجريمة بأرقام ووقائع جديدة، وفي الوقت نفسه تعيد التذكير والتوثيق لتفاصيل البداية والمسار وصولاً إلى ما باتت عليه عملية سرقة النفط السوري من عملية منظمة بشبكة إرهابية متكاملة بأطرافها المعروفين ومعابرها العلنية، أي بمن يسرق ومن يسوق ومن يشتري وإلى أي جيوب تذهب أموال هذه الجريمة لأي أهداف.
واعتمدت «تشرين» على تقسيم عملها إلى عدة نقاط في سبيل أكبر قدر من العرض والتوضيح والتوثيق:
أولاً: متى بدأت جريمة سرقة خيرات الشعب السوري وكيف؟
ثانياً: حجم هذه السرقة.. كيف يتم نقلها؟
ثالثاً: أين تتجه وهل يذهب النفط المسروق إلى قوات الاحتلال الأمريكي فقط أم إلى جهات أخرى؟
رابعاً: لماذا استمرار الصمت على هذه الجريمة ومرتكبيها؟
خامساً: موقف الأمم المتحدة.. وما عقوبة مرتكبيها في القانون الدولي؟
من خلال الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها، تكشف «تشرين» بالأرقام والوقائع عن كميات النفط والقمح المسروق من الولايات المتحدة والتي تستمر في تقديم نفسها على أنها أعظم دولة في العالم والمدافع الأكبر عن الديمقراطية والحرية وسيادة القانون.. وفي الحقيقة ما هي إلا لص.
ومن الطبيعي ألا يتمكن هذا اللص من ارتكاب جريمة السرقة والاستمرار فيها إلا بمساعدة خونة من داخل البيت.. إذ سرعان ما قدمت ميليشا «قسد» نفسها على أنها من خيرة الخونة القادرين على تنفيذ هذه الجريمة بنجاح.. وهكذا بدأت عملية سرقة النفط السوري من منطقتي الجزيرة والفرات «محافظتي الحسكة ودير الزور» وذلك مع بدء سيطرة «قسد» على الحقول المنتجة بمساعدة المحتل الأمريكي.

مهمة كشف أو استكمال كشف المزيد من تفاصيل جريمة سرقة النفط السوري، لم تكن مهمة سهلة في ظل حالة الترهيب التي يزرعها المحتل الأمريكي و«قسد» ضد الأهالي في المنطقة الواقعة ضمن إطار هذه الجريمة، حيث واجهت «تشرين» صعوبات وعقبات كبيرة في سبيل ذلك بعضها تم تذليله، ولكنها لم تستطع فعل المثل تجاه البعض الآخر، خصوصاً لناحية شهود العيان، ومن وثق بالصور والفيديوهات.. ومع ذلك نعتقد أننا وصلنا إلى أرقام ووقائع مهمة جديدة لنقدمها، للداخل- أي للشعب السوري، وللخارج- أي للرأي العام الدولي ومؤسساته الإنسانية والقانونية، عساها تمتلك جرأة محاسبة المجرم أو على الأقل الإشارة إليه ووصمه بجريمته.
الجريمة مستمرة

ليست الـ 55 صهريجاً وشاحنة المحملة بالنفط والقمح السوريين التي سرقتها قوات الاحتلال الأمريكي في الـ30 من تشرين الأول الماضي، أول عملية سرقة ولن تكون الأخيرة، فمنذ إعلان ما يسمى قوات التحالف الدولي في أيلول 2014 وعيون الولايات المتحدة الأمريكية على نفط سورية وقمحها، لا على تنظيم «داعش» الإرهابي الذي ادعت زوراً وبهتاناً أنه موجود في الأراضي السورية لمحاربته، حيث اختارت القيادة الأمريكية هذا الشعار كونه يحمل أبعاداً وطنية وإنسانية تدغدغ مشاعر العالم للتغطية على الهدف الأساس وهو الاستحواذ على ثروات السوريين، وإلا كيف يمكن تفسير اختيارها لمنطقة الجزيرة الغنية بالنفط والقمح دون غيرها.. ولماذا دخلت قوات الاحتلال الأمريكي إلى هذه المنطقة من دون موافقة الحكومة السورية.. لماذا لم تأت من الباب كي يصبح وجودها شرعياً، وفضلت كسر النافذة والدخول منها؟

 

د.مارديني: احتياطي النفط السوري يبلغ حسب أحدث الأرقام المتوافرة ملياري برميل.. يتركز معظمها في شرق سورية

ضغط سياسي واقتصادي
«تريد الولايات المتحدة الأمريكية من السيطرة على الثروات الطبيعية في سورية تحقيق جملة من الأهداف، أولها أن تصبح هذه الثروة عامل ضغط سياسي واقتصادي تستخدمه متى رغبت، وثانيها للحيلولة دون ضم سورية إلى منتجي النفط والغاز في العالم، خشية أن تصبح في المستقبل جزءاً من شبكة لتزويد ونقل الغاز من إيران إلى أوروبا؛ وكذلك عبر تركيا إلى أوروبا، أما الهدف الثالث فيتمثل بمنع الدولة السورية من تطوير «علاقات نفطية» مع العراق مستقبلاً.
هكذا يشرح الأستاذ الدكتور جاك مارديني رئيس جامعة الفرات سابقاً الأسباب التي تدفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى سرقة النفط السوري، ويضيف: لا أعتقد أن أميركا ستتخلى ببساطة عن حقول النفط السورية، ليس لحاجتها للنفط، بل لأنها تعد ورقة ضغط على الدولة السورية، نظراً لموقع سورية الإستراتيجي ولمخزونها الكبير من النفط والغاز، ولهذا لم يكن اختيار أميركا لمنطقتي الجزيرة والفرات اعتباطياً لعلمها علم اليقين أن إنتاج سورية من النفط والغاز يتركز في ثلاثة مناطق، الأولى تقع في محافظة دير الزور التي تضم أكبر الحقول النفطية، كحقل العمر الذي يقع في قرية الشحيل شمال شرقي دير الزور، ويبلغ إنتاجه 80 ألف برميل يومياً، وحقل التنك الذي يبلغ إنتاجه 40 ألف برميل يومياً، إضافة إلى حقل كونيكو للغاز شرقي الفرات الذي يقع في ناحية خشام التي تبعد 12 كم شرقي مدينة دير الزور، والذي يعد من أكبر الحقول المنتجة للغاز الطبيعي في سورية، إذ يصل إنتاجه إلى قرابة 6 ملايين م3 من الغاز، إضافة إلى حقل التيّم، وحقل الورد في ريف مدينة البوكمال القريبة من الحدود مع العراق والذي وصلت طاقته الإنتاجية عام 2018 إلى 5 آلاف برميل يومياً، في حين بلغت الطاقة الإنتاجية لحقل التيّم 2500 برميل يومياً في عام 2019 وذلك بعد إعادة تأهيل هذين الحقلين «التيم والورد» بعد أن دمرتهما الطائرات الأمريكية عامي 2015 و 2016.
أما المنطقتان الثانية والثالثة فتقعان في محافظة الحسكة، يتابع د.مارديني، حيث تنتشر حقول النفط والغاز في منطقتان أساسيتان: الأولى شمال الحسكة، وأبرز حقولها السويدية ورميلان، ويبلغ إنتاجها في حال العمل بالطاقة الإنتاجية التي كانت قبل الأزمة نحو 200 ألف برميل يومياً، وتضم هذه الحقول أكثر من 1200 بئر نفطي و 25 بئراً للغاز.
المنطقة الثانية هي في جنوب الحسكة، في الهول والجبسة والشدادي، وهي تنتج نحو 30 ألف برميل يومياً.
ويتابع د.مارديني: إن الطاقة الإنتاجية للنفط في هذه المناطق تبلغ نحو 350 ألف برميل يومياً، وهي تُشكل 90 % من إنتاج النفط في سورية قبل اندلاع الأزمة، معتبراً محافظة الحسكة، من أهم المحافظات الغنية بالآبار النفطية، كما تضم أيضاً منشآت تعالج النفط والغاز، عبر مديريتين للنفط هما مديرية حقول الحسكة وموقعها في منطقة الرميلان شمال شرق المحافظة، ومديرية حقول الجبسة وموقعها في منطقة الشدادي جنوب المحافظة، تتولى هاتان المديريتان كافة الأعمال من حفر الآبار، إلى معالجة النفط المنتج وتسليمه، كما يتبع لكل منهما معمل يقوم بإنتاج الغاز المنزلي وكافة أنواعه الصناعية.
ويبيّن د.مارديني أن احتياطي النفط السوري يبلغ حسب أحدث الأرقام المتوافرة ملياري برميل، يتركز معظمها في شرق سورية في الأراضي القريبة من العراق، حيث يمثل الاحتياطي السوري 0.14% من الاحتياطي العالمي، موضحاً أن إنتاج النفط في سورية بلغ خلال النصف الأول من العام الحالي 2022 نحو «14.5» مليون برميل، بمتوسط إنتاج يومي «80.3» ألف برميل، يتم تسليم «14.2» ألف برميل منها يومياً إلى المصافي، وتسرق أميركا ومرتزقتها ما يصل إلى «66» ألف برميل يومياً من الحقول المحتلة في المنطقة الشرقية.

د.مارديني: الطاقة الإنتاجية للنفط تبلغ نحو 350 ألف برميل يومياً وهي تُشكل 90 % من إنتاج النفط في سورية قبل اندلاع الأزمة

 

من هنا بدأت الجريمة
ويضيف د.مارديني: سورية كانت تنتج في عام 2008 نحو 406 آلاف برميل يومياً، حسب الاستعراض الإحصائي للطاقة العالمية الذي أعدّته شركة «بريتيش بتروليوم» هذه دراسة الشركة ولكن هناك ارقام تتحدث عن أقل من ذلك، وفي عام 2011 تراجع إنتاج سورية النفطي إلى 353 ألف برميل يومياً، ليتعرض بعدها للانهيار مع توالي سنوات الحرب الإرهابية على سورية عام 2011، إذ قدرت ورقة عمل صدرت عن صندوق النقد الدولي أن إنتاج النفط السوري تراجع إلى 40 ألف برميل فقط.
ويتابع: في عام 2017، بدأت ما تسمى «الإدارة الذاتية» وذراعها العسكري ميليشيا «قسد» المرتبطة بالاحتلال الأمريكي بالسيطرة على حقول النفط الرئيسة شمال شرقي سورية وعلى طول شاطئ الفرات، ليبدأ من هنا مسلسل جريمة سرقة النفط السوري.. حيث تسرق أميركا ومرتزقتها ما يعادل 82 % من إجمالي إنتاج النفط في سورية، ومنذ بداية شهر تشرين الأول من العام الحالي، وقعت ما لا يقل عن 9 سرقات نفط، وتم استخدام حوالي 700 صهريج لنقل النفط المسروق إلى القواعد الأمريكية خارج سورية، في الوقت الذي كان فيه السوريون مضطرون للوقوف في طوابير طويلة لساعات أمام محطات الوقود.
ويضيف د.مارديني: إمعاناً في التمادي والسرقة وقّعَت «قسد» في تموز 2020 اتفاقاً مع شركة نفط «دلتا كريسينت إنرجي – Delta Crescent Energy» الأمريكية.. وإذا علمنا أنّ 80% من النفط السوري، ونصف غازها، يقعان في مناطق خاضعة لسيطرة قسد، فهذا يعني أنّ الولايات المتحدة الأمريكية وضعت يدها على معظم الثروة النفطية والغازية السورية، بموجب هذه الاتفاقية، وربما اتفاقيات أخرى قادمة، وحرمت سورية من استثمار هذه الموارد في عملية إعادة الإعمار، ما أدى، وسيؤدي، إلى تفاقم معاناة الشعب السوري، لاسيما مع استمرار عقوبات قانون قيصر.
وفيما يخص القمح، يبيّن د.مارديني أن محافظة الحسكة كانت تنتج لوحدها من القمح قبل عام 2011 ما يقارب مليون طن سنوياً، يكفي لسد ثلث حاجة سورية السنوية، والبالغة 2.5 مليون طن، مشيراً إلى أن الكميات المسروقة من القمح والنفط في محافظة الحسكة من قوات الاحتلال الأمريكي تتم عبر معابر غير شرعية، كمعبر الوليد القريب من بلدة اليعربية، ومعبر المحمودية الواقع جنوب معبر الوليد بنحو 1 كم، ومعبر التونسية المسمى معبر سيمالكا.
الأمر الذي يؤكد أن أميركا ومرتزقتها مستمرون بسرقة الثروات الطبيعية للشعب السوري من النفط والغاز والقمح، وتهريبها عبر المنافذ غير الشرعية باتجاه العراق، ومنها ما يتم تمريره إلى مناطق سيطرة تنظيم «جبهة النصرة» الإرهابي في إدلب وشمالي سورية، عبر الأراضي التركية.
وكشف د.مارديني عن قيام قوات الاحتلال الأمريكي وأعوانها بإنشاء خزانات في منطقة قريبة من نهر دجلة في مدينة المالكية في أقصى شمال شرق الحسكة، يتم عبرها تهريب النفط المسروق باتجاه شمال العراق، إلى جانب إدخال كميات أخرى إلى مناطق سيطرة الإرهابيين في الشمال السوري.

عازل «جيوبوليتيكي»
ويشدد د.مارديني على أن الوجود الأمريكي في المنطقتين الشرقية والشمالية الشرقية من سورية كان مدروساً في اتجاهات عدة، أهمها حرمان سورية من خزاني النفط والقمح، إضافة الى التمدد والتمركز في جغرافيا بعيدة نسبياً عن العاصمة دمشق، والتموضع في مكان يتيح للأميركيين رعاية وتشجيع وتغطية مشروع انفصالي– تقسيمي في الشمال الشرقي، وإيجاد عازل «جيوبوليتيكي» يتيح منع التواصل السوري– العراقي، ومنع التواصل بين أطراف محور المقاومة في المشهد الأوسع.
ويخلص د.مارديني إلى القول: في النهاية، الأهداف الأمريكية واضحة للجميع، فعقلية الأمريكي لم تتغير أبداً، والرغبة الأمريكية بإسقاط الحكومات المخالفة لها وتدمير البلدان وحصار الشعوب التي لا تخنع لإملاءاتها باتت علنيّة.
ويسأل: هل نسينا أنّ واشنطن عملت كل ما بوسعها لإسقاط سورية المقاومة، من خلال دعم التنظيمات الإرهابيّة بشكل لا محدود بالتعاون مع دول معروفة، لكنها اصطدمت لأكثر من 11 عاماً بالانتصارات التي حققها الجيش العربي السوريّ وداعموه من الحلفاء وبالأخص محور المقاومة.
ويضيف: قد لا يكون النفط السوري المسروق ذا جدوى اقتصادية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، لكنه يشكل إشارة مهمة تعكس طبيعة وأهداف هذا الاحتلال في سورية، واستخدامه لغايات أخرى تخدم وجوده غير الشرعي في المنطقة.
ويتابع د.مارديني: النفط، مثله مثل القمح والقطن وباقي خيرات منطقة الجزيرة السورية، التي عمل الاحتلال الأمريكي وحتى الاحتلال التركي على سرقتها، وحرمان الشعب السوري من مقدرات هذه المنطقة، وهو ينسجم مع سياسة الحصار الجائر الذي تفرضه الإدارة الأمريكية على سورية، هذه الأفعال الإجرامية، التي تنطبق فقط على زعماء العصابات ورجال المافيا، تصر الإدارة الأمريكية على الاستمرار بممارستها، على أمل أن تحقق عبر سياسة العزل والعقوبات الجائرة، ما عجزت عن تحقيقه طوال 11 سنة من الحرب الإرهابية التي تشنها على سورية.

من ترامب إلى بايدن
في شهر آب من عام 2020 كشفت الولايات المتحدة الأمريكية – في عهد رئيسها السابق دونالد ترامب… الغطاء رسمياً وبالكامل عن أهدافها الخبيثة والخطيرة وراء احتلالها لمناطق شمال شرق سورية.. وهي سرقة ثروات السوريين وعلى رأسها النفط، في سبيل الضغط عليهم اقتصادياً وتعميق أزماتهم المعيشية وصولاً إلى دفعهم للخروج على الدولة بما يقود إلى إضعافها وتالياً اخضاعها ودفعها للاستمرار للشروط والإملاءات الأمريكية.
في ذلك الشهر من عام 2020 وقعت «قسد» مع إدارة ترامب عقداً لشرعنة سرقة النفط السوري وذلك عبر وسيط هو شركة النفط الأمريكية «دلتا كريسنت إنيرجي»، وقد أراد المحتل الأمريكي من وراء ذلك شرعنة سرقته كما ذكرنا وفي الوقت نفسه شرعنة وجود «قسد» وكيلته على الأرض ومدها بأسباب الحياة الاقتصادية لدعم أطماعها الانفصالية، وكان ترامب أعلن غير مرة أن أميركا تريد نفط سورية وستأخذ «حصتها» منه.
جريمة سرقة النفط السوري انتقلت من ترامب إلى خليفته جو بايدن لكن إدارة هذا الأخير ارتأت أن تنتهج أسلوباً مختلفاً لشرعنة اللصوصية الأمريكية في سورية «ضمن إطار لصوصيتها العالمية» فألغت العقد مع شركة «دلتا كريسنت إنيرجي» لتمارس نوعاً من «حملة علاقات عامة» لتحسين صورتها في المنطقة والالتفاف على علانية السرقة التي جاهر بها ترامب، فزعمت أنها لا تسرق نفط سورية ولا تنتفع منه بل هي تحميه لمصلحة الشعب السوري، وأن «تواجدها شمال شرق سورية هو من أجل الشعب السوري وليس من أجل النفط» فكيف يكون ذلك فيما هي تحاصر هذا الشعب بالعقوبات في خطة ممنهجة لتفقيره وتحويله نهباً لحالة دائمة من العوز والفاقة؟.. وكيف يكون ذلك إذا كان المنتفع الأساسي، وبإعلان أميركي رسمي «من ترامب ثم بايدن» هو مجموعات انفصالية تريد الولايات المتحدة منحها مصدر دخل وإيرادات لتمكينها من السيطرة.. والانفصال لاحقاً، وبما يديم تواجد الاحتلال الأمريكي، باقتطاع جزء واسع مهم وغني بالثروات والزراعات.. هنا لا بد أن نسأل عن المجتمع الدولي وقوانينه وإين هو من هذه الصوصية الأمريكية؟

لحدو: اخراج مئات القوافل من القمح والنفط من دون عقود مصدقة رسمياً ومن دون تسديد ثمنها لخزينة السورية هو سرقة موصوفة

 

معادلات القوة
لا يعول السوريون كثيراً على القانون الدولي والمواثيق الأممية لإنصافهم وإن كانوا يأملون في الوقت نفسه أن يأتي اليوم الذي يتم فيه إنصافهم.
.. وحتى يأتي ذلك اليوم يواصل السوريون بناء معادلات قوة أوجدوها بأنفسهم داخلياً وعلى مستوى الإقليم وعندما تلجأ الدولة السورية إلى المحافل الدولية، فهي تفعل ذلك لإظهار حقها أمام العالم أجمع، ولتشير بإصبع كبير إلى المحتل المغتصب للحقوق، وإلى اللص الدولي الذي يجثم على قمة العالم بفعل لصوصيته التي يمارسها على كل الدول، حتى على حلفائه.. لصوصية ليست فقط نهب وسرقة بل لصوصية سياسية وعسكرية وحتى تاريخية.. لصوصية تتقلب وتتلون وفق كل مرحلة تاريخية وتبعاً لكل دولة.
مع ذلك.. لا بد أن نعرض هنا لما يقوله القانون الدولي وخبراء السياسة الدولية في هذه الجريمة.
الباحث والمحلل السياسي رائد لحدو يؤكد أن استمرار الولايات المتحدة في سرقة خيرات سورية وثرواتها، هو جريمة موصوفة تضاف إلى سلسلة الجرائم التي ترتكبها مع مرتزقتها بحق الشعب السوري في إطار حرب اقتصادية وتجويع ظالم بعد فشلها ميدانياً، الهدف هو افقار أصحاب الأرض وإجبارهم تحت ضغط الحاجة باتجاه العمالة للمحتل من جهة.. وإرغام الأهالي على إرسال أبنائهم للقتال في صفوف المجموعات الإرهابية الانفصالية التي يدعمها المحتل من جهة ثانية، هذا إلى جانب تقويض جهود الدولة السورية للتخفيف من أعباء الحرب العدوانية والحصار الجائر .

مخطط أميركي معد مسبقاً
ويضيف الباحث لحدو: إن سرقة الثروات السورية من نفط وقمح تأتي في سياق الحرب الاقتصادية ضد الشعب السوري، وهي مُخطط مُعد مسبقاً وبأوامر أميركية مباشرة، ومن دون أدنى شك ترقى هذه السرقة إلى مصاف جرائم الحرب، كونها تـُعـَرّض الشعب السوري لخطر السقوط في هُوّة الفقر والمجاعة، وتقوّض جهود الدولة السورية للتخفيف من أعباء الحرب العدوانية والحصار الجائر.
ويتابع: إن إخراج مئات القوافل من القمح والنفط، والتي تقدر كمياتها بمئات الآلاف من الأطنان، من دون موافقة الحكومة السورية ومن دون عقود مصدقة رسمياً ومن دون تسديد ثمنها لخزينة الجمهورية العربية السورية، هو سرقة موصوفة بل هو عودة الى النظام الاستعماري (الذي ولى عهده منذ الحرب العالمية الثانية والذي اعتمد على نهب خيرات وثروات الشعوب الضعيفة والمضطهدة وإفقارها.

 

جاويش: واشنطن تدير شركة لصوص لسرقة النفط السوري وما زالت سرقة مقدرات الشعب السوري ونهب ثرواته هدفاً رئيساً لها

مخالفة لأنظمة «لاهاي» واتفاقية جنيف
الآن وبعد توصيف الجريمة الأمريكية، تسأل «تشرين» كيف ينظر القانون الدولي لها ؟
عن هذا السؤال يجيب الأمين العام المساعد لاتحاد المحامين العرب عبد العزيز جاويش بقوله: هذه السرقة هي انتهاك خطير للقانون الدولي ولأنظمة لاهاي لعام 1907 واتفاقية جنيف بشأن حماية حقوق المدنيين أثناء الحروب «اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949» والتي تحظر بوضوح أعمال النهب، أي مصادرة غير مشروعة لممتلكات عامة وخاصة ذات صلة بنزاع مسلح أثناء الاحتلال العسكري.
ويكشف جاويش أن القانون الأمريكي نفسه لعام 1996 يعتبر نهب نفط وقمح سورية جريمة حرب، ويضيف: تمتلك الولايات المتحدة القوة والنفوذ والموارد لإحداث تغيير إيجابي في حقوق الإنسان خارج حدودها، لكنها لم تظهر اتساقاً في الدفاع عن حقوق الإنسان والقيم الإنسانية، بل ارتكبت انتهاكات جسيمة ضد الشعوب وحقوق الإنسان، والعالم بأسره يعلم أن الولايات المتحدة تسرق وتنهب الثروات الطبيعية السورية بالتعاون مع الميليشيا التابعة لها، بشكل يتعارض مع القانون الدولي، مثلما يمثل الوجود العسكري الأمريكي على الأراضي السورية خرقاً لهذا القانون، وانتهاكاً لدولة ذات سيادة، إلا أن السياسيين الأمريكيين ومعهم ماكينتهم الإعلامية يتجنبون ذكر هذا الأمر ويغرقون الرأي العام العالمي بمواضيع تخدم مصالحهم.
ويشدد جاويش على أن الثروات الطبيعية في سورية من نفط وقمح ملك للشعب السوري فقط، والجهة الوحيدة التي تمتلك الحق بالتصرف بهذه الثروات هي الحكومة السورية، مؤكداً على أن سرقتها من الاحتلال الأمريكي يمثل جريمة حرب وفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة التي صدقت عليها الولايات المتحدة الأمريكية عام 1955.
ويختم جاويش بقوله: ثمة شركة لصوص تديرها واشنطن لسرقة النفط السوري، وما زالت سرقة مقدرات الشعب السوري ونهب ثرواته هدفاً رئيساً لها في سورية، حيث تتابع نهجها العدواني عبر دعمها للإرهاب، مرتكبة بذلك جريمة موصوفة ومعلنة تنتهك فيها قواعد القانون الدولي.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار