قمّتنا العربية المجيدة!
تشرين- إدريس هاني:
ما كنت لأكتب عن القمة الآتية لا ريب فيها ولا ريب في عجزها عن تحقيق أمنيات الشعوب العربية، لولا أنّ حلمنا طال بلا جدوى، ولولا أنّ الخطأ المنهجي يكمن في الرهان على الوهم، فالقمم العربية تخضع لإجراءات توافقية تشرف عليها جامعة الدول العربية.
تبدو الشقيقة الجزائر معنية بنجاح هذه القمّة، حيث مجرد قيامها في أي بلد هو مكسب دبلوماسي لذاك البلد، ويحوله إلى محور اهتمام إعلامي إقليمي ودولي، وهذا حقّ مشروع ومهم ولافت، لكن القمة ومخرجاتها لها علاقة بالوضع العربي وهي تتجاوز الدول المضيفة مهما بدت نياتها، كما أنّ مخرجاتها تخضع لإجراءات إجماعية لا يتحكم فيها البلد المضيف، فلقد عشنا تاريخاً من القمم العربية التي تحمل معها أمنيات فائقة، وتخرج بقرارات متواضعة، في قمم سابقة كانت فلسطين محور النقاش أيضاً، وفي بعضها كقمة فاس 1982، تغيبت دول كليبيا ومصر، وخلال قمم عديدة تلاسن العرب وخرجوا بخفي حنين.
سعت الشقيقة الجزائر عبر رحلات مكوكية لإقناع السعودية والإمارات والبحرين في سياق تعزيز علاقات متينة بين البلدين لحضور القمة، لكننا سنفاجأ بقرار غياب قادة هذه الدول رغم الإلحاح السابق، وهذه مؤشرات على أنّ العرب غير متفقين من البداية، وبأنّ لا دولة عربية بما فيها المضيفة، لا تحتفظ بمعضلة تجاه الأخرى، وهذا مؤشر فشل قمّة لم تحسم أمرها، ولم تقم بالمقدمات المنطقية لتبديد الخلاف العربي، فالذي يريد حلّ المعضلة العربية والتخفيف من الأزمات، يجب ألّا يكون طرفاً في الأزمة، لكننا لا حظنا أن النزاع العربي- العربي ازدادت وتيرته حتى قبيل قيام القمة، ما يؤكد عدم جدية العرب لتجاوز خلافاتهم.
نجاح أي قمّة هو نجاح للعرب، لكن العرب مختلفون حتى حول القمّة التي باتت رهاناً للمزايدات والمناكفات، وكأنّ الهمّ الأقصى هو قيامها وليس ما تستطيع أن تحققه من مكتسبات للعرب، كان من المفترض ألّا تقوم قمّة في سياق مشحون بالصراع والتناقض، وأن تتحرك الدبلوماسية العربية لتقريب وجهات النظر وخفض التوتر بين الأشقاء قبل قيامها، فلقد لاحظنا أن كل قطر يحمل معه رؤية وأجندات اصطفافية معينة يتأبّطها كبرميل بارود لتفجير الميثاق العربي، وحين نقول الأقطار العربية، فإنّنا نعنيها كلها، فلا أحد ممن سيحضر القمّة يحمل همّاً عربيّاً ملائكياً حقيقياً يزكيه الميثاق العربي خارج لعبة التأويل، وكل بلد عربي يشكو إضرار الآخر، فالأقطار العربية اصطفت ضمن رهانات لا يؤطرها الميثاق العربي، بقدر ما يؤطّرها مخططها القطري.. أقطار لا تحترم سيادات بعضها البعض، وتنتهك حرمة بعضها ، وتسيء ، وتتآمر على بعضها ، يأتي العرب إلى القمّة وهم في وضعية صراعية وعصبية وافتات بيني، حتى الحلم العربي الجماعي أكلته المقاتل والمزايدات والمؤامرات، وكنا نتمنّى أن تنشط الدبلوماسية العربية لتقريب وجهات النظر، والخروج بما يحقق الالتئام والتضامن، ويخرجنا كعرب من الشّنآن والتربص وليّ أذرع بعضنا البعض، لتكون القمة ناجحة حتماً.
نرفع عنوان خيبة الأمل مسبقاً حتى لا تصدمنا مخرجات قمة خرجت من الخيمة مائلة، وما خرج مائلاً من الخيمة يوشك أن يسقط بعد خطوات.
ماذا في وسع قمّة في شروط مزرية أن تقدم لفلسطين مهما توسلنا بذلك، وعلى أهمية الشعارات في هذه الظرفية، إن كانت الأنظمة العربية تلعب فوق الطاولة وتحتها؟ ماذا سنفعل لفلسطين وقد بصم الكل على حلّ الدولتين؟ ماذا سنفعل لفلسطين ولم نقدم لمقاومتها سلاحاً؟ فالعرب قدموا الكثير من الشعارات لفلسطين، واليوم لم يعد كل هذا ينفع، لقد أصيبوا بسمنة الشعارات، وباتت فلسطين صيحة في المزاد العلني العربي.
ثم ما الذي يمكن أن تأتي به قمّة، كل من اجتمع فيها لن يكون همّه الشعوب العربية، ونحن نعلم أنّ معظم من حضرها يعاني من احتجاجات شعبية مطلبية مشروعة وعادلة، فنظم غير قادرة أن تؤمن حقوقاً بسيطة لشعوبها وهي لا تعاني من حصار، ما الذي يمكنها أن تقدّمه للأمة العربية.
العلف الشعاراتي الذي يرعى عليه قطيع الميديا، ليس مقنعاً، والذين همّهم الدّفاع عن الأنظمة وظيفياً أو طمعاً، سيجدون أنفسهم في وضعية حرجة قد يكون الصمت فيها أنبل من الضجيج، فالوضعية العربية معقدة، وليس في القنافذ أملس.
ثمة ظاهرة إضافية في البيداء العربية، ألا وهي أنهم افتقدوا لمنطق الحلم نفسه، فأصبحت أحلامهم ضرباً من المغالطة، لأنّهم يحلمون بما لا يريدونه، هم لا يريدون الوحدة العربية، وهم يريدون البقاء على حالة الكيد والتآمر، مصرون على حماقاتهم، ولكنهم يتوهمون بأحلام مغالطة.
ثمة مؤشرات تؤكد أنها قمّة فاشلة، وهذا هو الدليل:
– يدخل العرب قمتهم وهم مصرّون على المواقف السياسية الزمنة
– يدخل العرب القمة والكل يسعى لتكريس نفسه بطلاً
– عدم حضور سورية مؤشر أساسي على أنها فاشلة
– غياب أرضية متفق عليها تؤطّر فعاليات المؤتمر
– غياب الوضوح في العناوين والحضور والأجندة
– اصطفاف بعض العرب ضدّ المقاومة العربية وإرادة الشعوب
خيبة الأمل هذه ليس بالضرورة تتعلق بمن سيحضن هذه القمة، ففي نهاية المطاف لا بدّ من حاضن عربي، وسواء أقيمت هذه القمة في الجزائر أو في المغرب أو تونس أو جيبوتي أو جزر القمر، فهي من حيث سياقها الراهن وشروطها الجيوسياسية ووضعية العرب وتشظّي أحوالهم، لن تأتي بشيء معجز، إن لم تكن رصاصة الرحمة على الميثاق العربي، كما أن فشل القمة هو فشل العرب وليس بالضرورة فشل محاولة المُضيف.
إنّ ضيوف القمة متخاصمون، متنابذون، وعصبيون، وغير مستعدون للتنازل عن خياراتهم، والتودد لبعضهم، بل سيحضرون، وسيتنابذون، وأقسم بقصيدة قمم لمظفر النواب أنهم سيعودون إلى المربع الأول: اتفق العرب على ألّا يتفقوا.