مؤتمر الشرق الروسي وعضّ الأصابع الاقتصادية وبالأرقام!

عقد في روسيا وتحديداً في مدينة( فلاد فستوك ) بتاريخ 5/9/2022 منتدى ( الشرق الأقصى ) بنسخته السابعة ولمدة أربعة أيام وتحت شعار (على الطريق إلى عالم متعدد الأقطاب) وبمشاركة 60 دولة من قارة آسيا ممثلة بأكثر من /5000/ مشارك، ويهدف المنتدى إلى تعزيز الحوار الدولي لمواجهة التحديات الاقتصادية الحالية وزيادة معدل النمو الاقتصادي من خلال تفعيل الاستثمارات واستثمار الموارد المتاحة في أقصى الشرق الروسي الغني بالثروات الطبيعية، حيث قدمت الحكومة الروسية حوافز استثمارية كبيرة لجذب الاستثمارات ومبدئياً تمّ توقيع عقود واتفاقيات لتنفيذ /2700/ مشروع استثماري كبير وبقيمة حوالي 1600 مليار روبل تؤمن 120 ألف فرصة عمل، والآفاق الاقتصادية المستقبلية مفتوحة حيث عقدت مؤتمرات دولية في المنتدى ومنها بين روسيا والصين والهند ومع دول آسيان (بروناي وكمبوديا وإندونيسيا ولاوس وماليزيا وميانمار والفلبين وسنغافورة وتايلاند وفيتنام) لزيادة حجم التبادل التجاري وتفعيل العلاقات الاقتصادية، وفعلاً زادت العلاقات الاقتصادية الروسية مع هذه الدول ومع إيران ودول الشرق الأوسط، فمثلاً مع مجموعة (آسيان) ارتفعت التجارة الخارجية بنسبة /27%/ في سنة2021 عن سنة /2020/ كما عقدت جلسة موسعة حول (الاستثمار والتجارة في منطقة القطب الشمالي )، و خلال المنتدى عبرّ الكثير من المستثمرين عن إعجابهم بالسياسة النقدية والمالية الروسية حيث تراجع سعر صرف الدولار إلى أقل من 61 روبل في وقت تشهد العملات الأخرى تراجعاً أمام الدولار مثل اليورو الذي تراجع لأقل من دولار والجنيه الإسترليني ولأول مرة ينخفض عن دولار واحد منذ 200 سنة أي منذ تاريخ التعامل بالعملات النقدية، كما تشهد بريطانيا معدل تضخم أكثر من 22%حسب تقرير بنك ( غول دمان ساكس ) ودخل الاقتصاد البريطاني والاقتصاديات الأوربية في انكماش اقتصادي و بمعدل 4% سنوياً، و تراجعت قيمة الين الياباني أيضاً أمام الدولار، بينما يحقق الروبل زيادة في سعر صرفه أمام العملات الأخرى، وانسجاماً مع هذه الوقائع نسأل: هل حققت العقوبات الغربية على روسيا أهدافها ؟!
خلال كلمة الرئيس الروسي ( فلاديمير بوتين ) أوضح أن الإرهاب الاقتصادي الغربي( عقوبات وحصار ) تشبه الحرب على روسيا ولكن لم يحقق الغرب أهدافه،  فقد تراجع معدل التضخم في روسيا لحدود 12% وسينخفض في سنة 2023 إلى حدود 6% وتراجع أيضا معدل البطالة إلى 4% وأن الموازنة السنوية ستحقق  فائضاً أكثر من 500 مليار روبل، ولكن بسبب هذه العقوبات تراجعت بعض القطاعات الروسية بنسبة 2% وسيتم تجاوز ذلك بتعميق التعاون مع الأصدقاء،  فهل انقلب السحر على الساحر ؟!
وحسب تقرير صندوق النقد الدولي بأن أكبر معدلات النمو الاقتصادي تتحقق في الاقتصاديات الآسيوية الناشئة، وأكدت الأحداث أن أوروبا ومن خلال تبعيتها للإرادة الامريكية تضحي بمصلحة شعوبها وخاصة مصلحة مستهلكيها بزيادة معاناتهم بسبب أزمة حوامل الطاقة وارتفاع أسعار السلع الغذائية وغيرها، وكمثال على ذلك فإن معاناة الكثير من الدول الأوربية من توقف ضخّ الغاز الروسي عبر خط ( نورد ستريم 1) هو بسبب الأعطال التي تعرض لها هذا الخط وامتنعت الشركات الأوروبية وخاصة  شركة( سيمنس ) الألمانية عن إصلاح محطات الضغط فيه ما خلق تداعيات اقتصادية كبيرة ومنها مثلاً (إغلاق المعامل والمصانع وتقنين الكهرباء وخاصة  في ألمانيا التي تعتبر قاطرة الاقتصاد الأوروبي وارتفاع الأسعار …الخ ) ، وتؤكد الدراسات أن استمرار القارة الأوروبية وأمريكا بزيادة إجراءاتهم ضد روسيا سيعقد الأمور مستقبلاً أكثر وأكثر، وكمثال على ذلك إن القرار الحالي للدول السبع الصناعية (أمريكا – كندا، فرنسا، والمملكة المتحدة، اليابان، ألمانيا، إيطاليا)  بتحديد سعر أعلى للنفط الروسي للمستوردين الأوروبيين بهدف تقليل الإيرادات الروسية الناجمة عن تسويق النفط فهذا لن يؤثر على روسيا لوجود الكثير من المشترين، وأكدت صحيفة ( الغارديان ) أن عوائد تلك الصادرات الروسية ارتفعت في شهر حزيران بمقدار 700 مليون دولار مقارنة بشهر أيار !
ومعروف أن روسيا هي الدولة الثالثة في العالم المنتجة للنفط بعد أمريكا والسعودية وتنتج بحدود 11 مليون برميل يومياً تصدر منها بحدود 7 ملايين بين نفط خام ومشتقات نفطية أي بنسبة 11% من حجم الصادرات العالمية والنفط سلعة مطلوبة للجميع وخاصة لجارتيها ( الصين والهند ) وهما أكبر مستهلكين للنفط والغاز في العالم بسبب عدد سكانهما الكبير وتحقيقهما لأكبر معدل نمو اقتصادي في العالم وهذا يضمن تسويق النفط الروسي، أما من ناحية سلعة الغاز والتي ارتفعت أسعارها 30% ويتزايد الطلب العالمي عليها.

 

  1. من هنا أستغرب تصريح وزيرة الخزانة الأمريكية (جانيت يلين) بقولها الحرفي: ( إن تحديد سقف الأسعار من شأنه أن يساعد في مكافحة التضخم وتحقيق أهدافنا المزدوجة المتمثلة في وضع ضغط تنازلي على أسعار الطاقة العالمية) !، وهنا أسأل بل أتساءل كباحث اقتصادي هل تجاهلت السيدة الوزيرة كغيرها من الوزراء في بعض الدول الأخرى قوانين الاقتصاد الموضوعية ليس في سوق السلع بل في سوق العمل أيضاً وتجاهل قاعدة أن الأسعار والمردودية تتولد من تلاقي قوى العرض والطلب ؟!
    وإذا تجاوزنا الجانب الاقتصادي فإن الدول الغربية باتخاذها لهذا القرار تجاوزت الجانب الأخلاقي والفكري أيضاً، فقد ملّ العالم شعارات الغرب منذ أوائل القرن الثامن عشر بأن للأسواق حريتها  وضرورة إزالة القيود بكل أنواعها عن التجارة العالمية وأن الأسواق  تنظم نفسها بنفسها وفقا لمبدأ ( اليد الخفية Invisible hand ) والتي اعتمدها الاقتصادي الإنكليزي ( آدم سميث ) أو على مبدأ الاقتصادي الفرنسي (فنسنت دي جورناي) شعار ( دعه يعمل دعه يمر laissez-faire, laissez-passer)،فهل كانت هذه الدول تمارس الكذب والنفاق والتضليل الاقتصادي، وهنا نسأل إلى متى ستستمر عملية (عض الأصابع الاقتصادية) ومن سيصرخ أولاً ؟، أم إن طبول الحرب ستقرع كما قال (جورج بنيامين كليمنصو ) وهو رئيس الحكومة الفرنسية لمرتين خلال وبعد الحرب العالمية الأولى حيث قال إن( كل قطرة نفط تعادل قطرة دم) فكيف إذا أضيف للنفط الغاز والغذاء والمضائق البحرية والتسابق في تصنيع السلاح وزيادة القدرات العسكرية التدميرية بمئات المرات عما يتحمله كوكبنا الأرضي أم ستقدم أمريكا على سرقة النفط والغاز الروسيين، والأيام القادمة وتصاعد التوترات وزيادة حدة التناقضات ستؤدي إلى ترسيخ معالم نظام اقتصادي عالمي جديد و إن غداً لناظره لقريب!.
قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار