ليست طعاماً للسوريين لكنها أربكت موائدهم..بدايات مبشرة للخروج من مأزق إنتاج مادة تستحق لقب” إستراتيجية”..
تشرين:
تحركت وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي باتجاه جسر الفجوة الكبيرة في قطاع الأعلاف، ولاسيما أعلاف الدواجن، التي تركت آثاراً سلبيّة على السوق وأسعار مادتي البيض والفروج، وهما مادتان أساسيتان في تقاليد استهلاك الأسرة السورية.
وتعود المشكلة في الواقع، إلى انحسار مساحات الأراضي المزروعة بالذرة العلفية الصفراء، ثم تدمير المجففات التي هي أداة أساسية لتجفيف الذرة وتحضيرها كمادة علفية أولية تدخل في خلطة الأعلاف..وربما من الإنصاف القول: إن الظروف التي اعترت البلاد خلال السنوات الإحدى عشرة الأخيرة، تسببت بكل هذا التقهقر في إنتاج المحصول، من جملة التأثيرات السلبية التي تركتها على معظم قطاعات البلاد.
استدراك
مؤخراً أفادت المعطيات الراشحة من وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، أن الوزارة عملت بالتنسيق مع جميع الجهات المعنية، وهي عدّة جهات من رئاسة مجلس الوزراء واللجنة الاقتصادية، إلى وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، إلى الجهات الأخرى الفاعلة على الأرض، عملت باتجاه زيادة حجم الإنتاج المحلي من الذرة الصفراء والتوسع بزراعتها سواء من خلال تأمين بذار هجينة ذات إنتاجية عالية في وحدة المساحة تسهم في زيادة الإنتاج وتخفض من التكاليف وتزيد من ريعية المساحات المزروعة للفلاحين، وبالتالي تشجيعهم على الاستمرار والتوسع في زراعتها بما يتوافق مع الخطة الإنتاجية.
وتؤكد الوزارة في بيان لها أنها بدأت بالتخطيط للمحصول المذكور بصورة منفردة وليس ضمن مجموعة المحاصيل الزيتية كما كان سابقاً وهذا الأمر ناتج عن توافق حكومي ضمن سياق دعم العملية الإنتاجية وزيادة الإنتاج لمحصول الذرة الأمر الذي رفع من حجم الإنتاج من 300 ألف طن في العام الماضي إلى حوالي 500 ألف لموسم 2021/2022، وأنها تعمل على مضاعفة حجم الإنتاج المحلي من مادة الذرة الصفراء العلفية بما يتوافق مع الموارد المائية والأرضية المتاحة.
بداية الحل
الواقع أن كواليس رئاسة مجلس الوزراء، و وزارتي الزراعة والاقتصاد، ثم اللجنة الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء، تحتوي على ملف بات سميكاً لمعالجة إشكالية تراجع إنتاج هذا المحصول الذي يرتقي إلى مستوى إستراتيجي في الواقع، لجهة أثره المباشر على أسواق اللحوم والبيض وربما مشتقات حيوانية أخرى أساسية في ثقافة الاستهلاك المحلية.
وثمة ” دوسيه” حافل بالمعطيات حصلت” تشرين” على الكثير من المعطيات التي تضمنها، يخلص إلى توصيات تذهب باتجاه التأكيد على الإسراع في عملية تأهيل المجفف في محافظة حلب ووضعه في الخدمة لتأمين متطلبات استلام المحصول ريثما تتم استعادة المجففات الأخرى، والسعي لإقامة مجفف آخر في منطقة التبني بدير الزور.
إلى جانب تشميل إقامة منشآت تجفيف الذرة الصفراء العلفية ضمن برنامج إحلال بدائل المستوردات، لأن مادة الذرة الصفراء العلفية من الزراعات الهامة باعتبارها مادة أولية تدخل في خلطة المواد العلفية، و تؤثّر بشكل مباشر في أسعار العديد من المواد الغذائية الأساسية في السوق المحلية..لذا من الحكمة التوجّه نحو التوسع في زيادة مساحات الأراضي المزروعة بالمحصول، وتلبية الحاجة لمنشآت المجففات خلال أسرع وقت ممكن، لأن عدم توافر المجففات الجاهزة لدى مؤسسة الأعلاف وصعوبة عملية التجفيف بالطرق التقليدية، يشكلان حالة خلل لابدّ من استدراكها ما أمكن.
و بدأت نتائج محاولات الاستدراك تظهر على الأرض، إذ تؤكد أحدث البيانات الصادرة عن وزارة الزراعة، أنه و للمرة الأولى في تاريخ وزارة الزراعة يتم توزيع مقنن علفي من الذرة الصفراء العلفية وكسبة فول الصويا ومادة النخالة لمربي الدواجن حيث تم توزيع أكثر من 187 ألف طن خلال العام الماضي وحوالي 30 ألف طن العام الحالي وبما يمثل 50% من حاجة الطير و25% من الاحتياج الكلي، وهذا الأمر ساعد الكثير من المربين في الاستمرار بالعملية الإنتاجية والصمود.
وقائع
تؤكد المعطيات التي كانت جزءاً من دراسة ملف هذا المحصول الهام.. أن التراجع في إنتاج الذرة الصفراء – وهي محصول هام يركز عليه المزارع السوري عادة – وصل إلى معدلات غير مسبوقة على خلفيات الأزمة وفصول التخريب الممنهج والتهجير الذي مارسته الجماعات الإر*ها*بية في أكثر من منطقة ومحافظة.
فما قبل الحرب على سورية وفي موسم 2011 بلغت المساحات المزروعة بالذرة الصفراء حوالي 60 ألف هكتار وبلغت كمية الإنتاج حوالي 300 ألف طن..واستمر التقهقر حتى اضطرت سورية لاستيراد الذرة وكانت الفاتورة عام 2018 /132 مليون يورو لكمية 868 ألف طن.. وفي العام 2019 تم استيراد 800 ألف طن بقيمة 113 مليون يورو..
وتبين أرقام وزارة الزراعة أنه خلال الموسم 2018 – 2019 تمت زراعة حوالي 47 ألف هكتار بعد تحرير بعض المناطق من براثن الإر*ه*اب. ولجهة المجففات…يوجد في سورية 4 مجففات آلية في كل من الرقة والحسكة وحلب ودير الزور، وباستثناء المجفف الموجود في دير حافر بحلب تقع جميع المجففات الأخرى في مناطق عاث فيها الإر*ه*اب تخريباً..
تم التعاقد مع شركة الطرق والجسور لإعادة تأهيل مجفف دير حافر ” مدمر كلياً” بقيمة 1،1 مليار ليرة سورية، والآن كما تؤكد المعلومات الراشحة من أروقة وزارة الزراعة، بدأت المناطق الشهيرة بزراعة الذرة تتعافى، وثمة مؤشرات مبشرة خصوصاً و أن الذرة محصول رديف يمكن زراعته بعد حصاد موسم القمح مباشرة، ويُنصح بزراعته لاعتبارات تتعلق بمعادلات التربة والأراضي..وهو محصول مجزٍ لجهة العائدية والمدة الزمنية القصيرة التي يستغرقها.
مادة أساسية
الذرة ليست مادة غذائية أساسية إستراتيجية للبشر كما القمح – هذا صحيح – لكنها مادة أساسية للماشية والدواجن، ومنتجات الماشية والدواجن أساسية على موائد السوريين، ومصدر هام للبروتين الحيواني..لذا فإن المشكلات التي اعترت محصول الذرة الصفراء قد أثرت بشكل كبير في أسعار منتجات اللحوم والألبان، بسبب الاضطرار للاستيراد ودفع فاتورة باهظة بالقطع الأجنبي.
ومن خلال المعطيات الجديدة..تبدو الأمور آخذة باتجاه الاستقرار في الإنتاج وسينتج عن ذلك استقرار في توافر المواد الغذائية المتعلقة في الأسواق، لكن ثمة شرطاً هو شرط الزمن الذي لا يقبل التجاهل.
فوزارة الزراعة تعدّ أن كلّ المشكلات التي يعانيها المربون حالياً تتمثل في صعوبة تأمين مستلزمات الإنتاج وارتفاع أسعارها بالإضافة إلى مشكلات التسويق والاختلافات السعرية وقدرة المربين على تسويق إنتاجهم وتحقيق هامش ربح يضمن لهم الاستمرار في العملية الإنتاجية. هذا الأمر يتطلب جهوداً مكثفة وموحدة بين الجهات المعنية بالإنتاج وضبط الأسواق واستيراد مستلزمات الإنتاج وهذا ما تم إدراجه ضمن سياق الروزنامة .