هشام شربتجي.. القريب من النجوم البعيد عن منصات التكريم
سامر الشغري:
من أسباب استبعاد أسماء كبيرة ومبدعة عن منصات التكريم، إدخال أشخاص إلى إدارة المشهد الثقافي في السنوات الماضية من غير أن يمتلكوا الحصيلة المعرفية والثقافية، فاستبعدوا من أرادوا وقرّبوا من شاؤوا، وفي طليعة هؤلاء المستبعدين المخرج هشام شربتجي.
حاورتُ هشام شربتجي منذ انغماسه في مشروع سلسلة النجوم في تسعينيات القرن الماضي، وحتى عمله الأخير أزمة عائلية 2016، وفي كل مرة كان يعيد على مسامعي الجملة ذاتها (أنا لست إنساناً كوميدياً، أنا ناشف كالقريّص) ليجعلني أتذكر المسرحي الفرنسي موليير الذي حزّ في نفسه أن يطالب دائماً بإضحاك الناس واصفاً ذلك بالمطلب الغريب.
إذا لم يكن هشام شربتجي مخرجاً كوميدياً فمن الكوميدي إذاً؟، إنه واحد من أكثر مخرجي سورية نجاحاً عبر العصور، بل يمكن عدّه دون الخشية من الوقوع في فخ المبالغة بأنه أهم مخرج عربي للكوميديا التلفزيونية.
وخلال حواراتي مع هذا المخرج وجدت فيه شخصاً ذا طباع خاصة شديدة الحساسية، من علاقته مع ابنته رشا، ومن اعتماد أهله المفرط عليه وتسييره لأمورهم، وغرامه الشديد بتربية القطط ككل دمشقي، ومن ثقافته العالية، ونهمه على القراءة.
هشام رائد كوميديا اللوحات في سورية، مع عمله قصاقيص إنتاج التلفزيون السوري 1979، وفيه لوحات راسخة في ذاكرة المشاهد كالسائح الأجنبي والزحمة في ركوب الباصات والخطبة.
وهشام كان المخرج الأول لأطول مسلسل في تاريخ الدراما الإذاعية العربية حكم العدالة، وظل يعمل في إذاعة دمشق نحو 17 سنة، وكان يقول عن تلك المرحلة (الإذاعة علمتني كثيراً وجعلتني أرى بأذني.(
وهشام أيضاً هو كان من أطلق سلسلة مرايا مع الفنان الكبير ياسر العظمة، حتى إنه قال بالحرف في أحد لقاءاته الأخيرة (مرايا مشروعي)، وهو ما يعني إقراراً منه بأنه كان صاحب فكرة هذا العمل كاستكمال لقصاقيص.
لقد أخرج هشام مرايا 82 و84 و86 و88 ، قبل أن يتوقف هذا التعاون ويعتمد العظمة مخرجين آخرين بناء على طلب من هشام نفسه، الذي أراد كما ذكر لاحقاً تغيير قالب العمل وشكله، فقدم مصلحة العمل على مصلحته هو في مسلسل هو عرّابه.
وهشام هو من أخرج المسرحية صاحبة الرقم القياسي في الأعمال الأكثر عرضاً بتاريخ مسارحنا، وهي” ليلة أنس” للراحل ناجي جبر ولكن مع هذا النجاح الهائل ظل أبو الفنون الغصة الأكبر عند هشام، لأنه بالأساس خريج مسرح وليست له علاقة بالتلفزيون كما كان يقول عن نفسه، وأراد أن يقدم شيئاً له علاقة بالجمهور لا بعيد عنه.
وهشام كان أول مخرج أعطى الراحل حاتم علي بطولة مطلقة عبر الغريب والنهر، وهو من أطلق إلى سماء الكوميديا أسماء غدت ملء السمع والبصر، وخلفت جيل دريد ونهاد إلى أمل عرفة وأندريه سكاف وأيمن رضا وباسم ياخور.. وهشام هو صاحب أفكار عدد من أعماله الأكثر شعبية، لقد تفتق ذهنه عن فكرة بأن ظاهرة الفساد الإداري مستشرية ولن يوقفها تعيين مسؤول نزيه فقدم (يوميات مدير عام)، وبلغ انغماسه في العمل أنه زاوج بين شخصية المخرج وحيد التي لعبها الفنان زهير عبد الكريم وبين شخصيته هو.
وفي العلاقات الزوجية استهوته فكرة تحمل مفارقة، محورها رجل تبرم لأنه زوجته لا تغار عليه فكان مسلسل (يوميات جميل وهناء).
هشام عندما ابتعد عن الكوميديا وراح للدراما الاجتماعية، أخرج الروائع من: صراع الزمن، أسرار المدينة، رجال تحت الطربوش ، ورياح الخماسين وأطلق لسماء النجومية ممثلين شباباً كقصي خولي وباسل خياط.. وهشام أيضاً عرّاب نخبة من الكتاب، فهو الذي عرفنا إلى ممدوح حمادة وزياد الريس، وأتاح أيضاً لفنانين متمكنين أن يظهروا قدراتهم في الكوميديا من بسام لطفي وبشار إسماعيل ومازن نظام وجمال العلي وفهد السكري ورداح رجب وآخرين.
وكان أول من أعطى بطولة مطلقة لفنانين كبار أمثال رفيق سبيعي وخالد تاجا وعمر حجو وأسعد فضة، بعد أن قسا عليهم الزمن وصاروا ممثلين ثانويين عند غيره من المخرجين.. وهشام إلى ذلك واحد من أغزر المخرجين السوريين عملاً في الدراما العربية، فقدم أعمالاً درامية وكوميدية كثيرة في لبنان والخليج.
هذه السيرة التي تمتد قرابة أربعين عاماً مع كرسي الإخراج جعلت من هشام نجماً في مصاف الممثلين الكبار الذين عملوا تحت إدارته، في سابقة لم تتكرر كثيراً في الفن السوري، ولكنها لم تزده إلّا بعداً عن منصات التكريم.