نعيش على الترجمات!
زيد قطريب:
نعيش على الترجمات.. نراقب العالم من وراء الجدران العالية ونتحسّر على النشر العربي وهو يشحّ وتضعف فرادته مع الوقت. الثقافة العربية هي الأقلّ رصيداً في الورق وبنوك المعلومات على الشبكة، على عكس رصيدها في بورصات التهريب وعدد الأغنياء الذين ينشغلون بشراء اليخوت والفلل والسيارات الفارهة.
نعيش على هامش الثقافات الأخرى، بعدما نزع أحدٌ فتيل الاشتعال من فانوس التفكير، وبتنا نقضي أيامنا على العتم. الشعر كان ديوان العرب، لكنه يغرق اليوم في الهشاشة وتدوير الإنتاج بين المؤلفين الذين يفتتحون كل يوم دكاكين جديدة بانتظار زبائن لم يعد الشعر يشفي غليلهم أو يخفّف غلّهم. حتى الهروب إلى الرواية سيعجز عن لعب دور القشّة لانتشال الآلاف وهم يلقون أنفسهم في البحر كي يستسلموا لسكون القاع!
الترجمات تبدو حلاً، في معالجة فصام العقل بين ما كنّا عليه وما صرنا به. ودائماً يجب أن نعثر على تفسير يوضّح سبب اغتذاء المخيلة من أرض غريبة، مع أن التحاليل تقول إن ترابنا خصب وشمسنا تناسب كل الزراعات؟ على الأرجح، تتعلق المشكلة بخبرة الفلاح في البستنة، وسياسة الاكتفاء الذاتي وجزّ النباتات المجهولة التي تُصنّف كأعشاب ضارة!
نعيش على الترجمات، ونقتفي أثر أبطال أميركا اللاتينية المطهّمين بالأساطير ومتعة السرد، بينما تعد الثرثرة جرماً يلاحق المؤلفين العرب، فيصبحون ميّالين أكثر نحو الإبهام والاكتفاء بالقليل من البوح. بدعوى البلاغة وجزالة الألفاظ تبقى السيوف منصوبة على رقاب الكلمات.
الترجمات تبدو حلاً في تقمّص شخصيات الروايات ومحاولة تعريبها كي تتماهى مع مسلسلات “الشرق الأوسط” الطاعن في المحرمات والخطوط الحمر.
ندين لـ”الأرض اليباب” و”زوربا” و”مئة عام من العزلة”.. نعترف بأفضال “أزهار الشرّ” على مخيلاتنا .. نفترشُ “أوراق العشب” ونسعدُ عندما نكتشف “أكثر من طريقة لائقة للغرق”.. في الإنسانية والسياسة والحب نهرب إلى الترجمات، كي يقول الآخرون ما لم نقله، ونفرح بالكلمات الباسلة وهي تشقّ عصا المخيلة على “ذكرى حبيبٍ ومنزلِ”.. فالترجمات ساعدت اللغة العربية، وفتحت آفاق العلوم الجديدة فيما سُمي عصر النهضة العربية، قبل أن يعصف عصر الانحطاط ويقتلع كل شيء، حتى ذلك الوقت، كان المترجمون الأعلى مكانة بين الكتاب، ولم تكن الترجمات تُقذف بالغزو الثقافي واقتحام حرمة المنزل العربي الذي راح ينتقل رويداً إلى عصر خلع الشبابيك والأبواب!.
من الأفكار المهمة في هذا الموضوع، إقامة معارض للكتب الممنوعة عبر التاريخ، حتى تصبح جريمة قراءة الأفكار ومناقشتها مشروعةً بلا حراسة على المخّ.. ترجموا كل شيء، وانشروا أفكارنا على حبال الغسيل كي يقرأها العالم وتكبر الأجيال بلا محرمات على العقل، الذي راح يضمر من قلة الاستخدام.. نعيش على الترجمات، ونحلم بأن يعيش العالم على ترجماتنا في حقبة ما!.