“ساعة” تايوان.. صينية لا أميركية
هبا علي أحمد:
ماذا بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان.. هل سنكون أمام قنبلة ستنفجر في أيّ لحظة.. وما شكل الاصطفافات الدولية الجديدة التي ستتشكّل حتماً في شرق آسيا وعلى الساحة الدولية؟
كلها تساؤلات لاحقة لتساؤلات كانت قبل الزيارة من قبيل هل تفضي الزيارة إلى جولة حرب.. وهل جميع القوى المعنية من دون استثناء مستعدة لخوض غمار حرب، داخلياً وخارجياً، أو مستعدة لتحمل التبعات أقلّها اقتصادياً، ولاسيما في ظل ما يعيشه الاقتصاد العالمي اليوم من أزمات على مستوى الغذاء والطاقة نتيجة تداعيات الأزمة الأوكرانية التي لا أفق واضحاً لنهايتها.
يمكن النظر إلى زيارة بيلوسي إلى تايوان – التي تعدّها الصين جزءاً من أراضيها وأن التوحيد الكامل للجانبين يمثل حتمية تاريخية- في عدّة اتجاهات، أولها وأهمها يأتي في سياق التصعيد الأمريكي التاريخي، إن صحَّ القول، الدائم والمتجدد تجاه الصين وفي سياق الفجاجة والوقاحة الأمريكية في التعامل مع القوى المناهضة للهيمنة الأمريكية، لإبعاد قدر الإمكان فكرة العالم الجديد، عالم متعدد الأقطاب، بعيداً عن القطبية الأحادية.
الاتجاه الثاني يمكن الاستنتاج منه مدى الأكاذيب والمراوغة الأمريكية، إذ حرصت أمريكا ظاهرياً على مبدأ “صين واحدة ” لكنها في الواقع العملي لم تقم بأي خطوة تدعم هذا المبدأ بل إنها سلكت اتجاهاً معاكساً، فكل محاولاتها تصب في اتجاه دعم ما يسمى”استقلال الجزيرة” وتتعاطى معها بطريقة منفصلة عن كونها جزءاً من الصين، وعند كل مطبّ تبرز التصريحات الأمريكية بالاستعداد لدعم الجزيرة عسكرياً ضد بكين، وفي المحصلة، إن الدعم الأمريكي لتايوان ليس إلّا من باب التحريض، وحتماً سينتهي الأمر بتايبيه لأن تكون حطب أيّ حرب في المحيط الصيني، حتى إن أي إجراءات تتخذها الصين رداً على الاستفزازات الأمريكية عبر تايوان ستكون تكلفة التبعات باهظة الثمن على الأخيرة.
الاتجاه الثالث، لتظهر واشنطن بمظهر المتمكّن والقادر والمهيمن. إذ أرادت الولايات المتحدة القول إننا مازلنا قادرين على الوجود في كل الساحات واستكمال النهج نفسه والسياسة الأمريكية المتبعة، ومواجهة القوى الصاعدة، وكذلك القول إن الأزمة الأوكرانية لن تؤثر في تحرّكاتنا وتوجّهاتنا، وهذا الاتجاه ربما يكون من باب التغطية على الهزيمة التي مُنيت بها واشنطن وحلفاؤها أمام روسيا.
رغم كل الإجراءات التي اتخذتها الصين، وهذا حقها الطبيعي والمشروع في الردّ على الرعونة الأمريكية، وحماية سيادتها وأمنها القومي، ربما تسير الأمور في اتجاهات أخرى غير الحرب، كما كان متوقعاً أو مرتقباً، أحد هذا الاتجاهات هو الإصرارُ الصيني على استعادة تايوان والشروع في خطوات عملية في هذا السياق، رغم أن العديد من المحللين استبعدوا الفكرة، ومن الاتجاهات الأخرى أيضاً تعزيز العلاقات الصينية – الروسية أكثر وتعزيز التكتلات المتشكلة والمناهضة أساساً للتكتلات الأمريكية، أما الحديث عن نشوب حربٍ فقد يبدو مستبعداً – رغم أن بكين تستعدّ لأي سيناريوهات- لأنها ليست في وارد الانجرار وراء ما تريده أمريكا.. وإن كانت هناك حربٌ فستكون على وقع ساعة بكين وليس ساعة واشنطن.