الزيارة الاستفزاز والنار القادمة 

شوكت أبو فخر:

أثارت زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، إلى تايوان اهتماماً واسعاً في الأوساط السياسية التي قرأت الزيارة انطلاقاً من مواقفها من “القصة التايوانية”.

لم تأبه رئيسة مجلس النواب الأمريكي بتهديدات بكين وضربت بكل ما قيل من جانب المسؤولين الصينيين وتحذيرهم من “اللعب بالنار” عرض الحائط وقامت بالزيارة التي يمكن وصفها بالاستفزازية.

وقد كان استفزاز بيلوسي فوضوياً إلى حدٍّ ما، غير مُعدٍّ وغير محسوب. وكان لرحلتها العديد من الدوافع الشخصية، والمغامرة، والتهور، وهي سمة تتنامى في السياسة الخارجية الأمريكية.

ومع ذلك، فإن الزيارة تنسجم تماماً مع الخط الإستراتيجي للمؤسسة الأمريكية، لتدمير المنافس الإستراتيجي متمثلاً في الصين.

ولا عجب أن مايك بومبيو والجمهوريين الآخرين أيدوا الزيارة بالكامل، بمعنى أنه لا يمكن القول إن كل ما حدث ما كان ينبغي أن يحدث.

لم تكن زيارات المسؤولين الأمريكيين يوماً، لأهداف “نظيفة”، وبموضوع زيارة بيلوسي لم تكن واشنطن بحاجة إلى مثل هذه الزيارة إلّا من زاوية الغطرسة والاستفزاز، أي محاولة متعمدة من جانب واشنطن لإثارة غضب الصين.

وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بقوله: “زيارة بيلوسي إلى تايوان تعكس حرص الولايات المتحدة على الإثبات للجميع أنها لا تخضع لأي محاسبة”.

وكي نفهم القصة من زاوية أخرى يمكن ملاحظة أن الولايات المتحدة الأمريكية والدولار الأمريكي يخسران موقعيهما الرياديين في العالم، وهو ما يهدد الولايات المتحدة بزعزعة الاستقرار والتفكك الداخليين. والفرصة الوحيدة لنجاة الولايات المتحدة الأمريكية هي محاولة تدمير منافسيها.

وكل من الحرب في أوكرانيا، وزيارة بيلوسي إلى تايوان هما خطوتان في هذا الاتجاه، حيث تحاول الولايات المتحدة الأمريكية إثارة الحرب، ويفضل أن تكون بالوكالة، إلّا أنها لن تتوقف إذا ما تطورت الحرب إلى المشاركة المباشرة.

وعلى العكس من ذلك، فكلما طال تأجيل المواجهة المباشرة بين الولايات المتحدة الأمريكية من جانب، وروسيا والصين على الجانب الآخر، زاد احتمال فوزهما، حيث تضعف الولايات المتحدة كل يوم، وقد بدأ اقتصادها بالفعل في الانزلاق نحو الهاوية.

ويبقى السؤال: لماذا تشعِّل الولايات المتحدة الأمريكية النار في العالم الآن؟

زيارة بيلوسي هي الجولة الأولى من الصراع حول من له الحق في تحديد أين ومتى تبدأ الحرب الأمريكية- الصينية، وبشكل مباشر أو بالوكالة.

على هذا المستوى، فإن الصين لم تخسر، بل انتصرت في تجنب المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

وعلى الرغم من أن خسارة السمعة هو أمر غير سار قطعاً، إلّا أن النصر في الحرب نفسها أكثر أهمية، وكلما تأخرت الصين في دخول هذه الحرب، كان أفضل.

بالنسبة للولايات المتحدة، لم تجلب زيارة بيلوسي أي فوائد طويلة الأمد، بل إن العكس صحيح: الخسائر واضحة.

الاستفزازات الأمريكية ستزداد، فلم يعد لدى واشنطن وقت للانتظار، يجب عليها الإسراع، ومن المحتمل أن نشهد محاولة للاعتراف باستقلال تايوان بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية في وقت لاحق من هذا العام أو العام المقبل.

واشنطن تعمل باستمرار على تشويه وإخفاء وتفريغ مبدأ الصين الواحدة، وتكثيف التبادلات الرسمية مع تايوان، وتشجع الأنشطة الانفصالية وهذه الحركات، مثل اللعب بالنار، خطيرة للغاية.. وأولئك الذين يلعبون بالنار سيهلكون بها”.

 

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار