” قنبلة” تايوان التي لم تنفجر… بعد
مها سلطان:
مرّت بسلام.. ربما.. ولكن إلى حين.. إلى حين أن تعيد الولايات المتحدة الكرّة وتعمد إلى استفزاز جديد تجاه الصين (من النوع الذي لا يمكن معه ضبط النفس) في سبيل إشعال شرارة حرب في منطقة تريد أن ترسم فيها خطوط نفوذ جديدة، ونقصد هنا منطقة المحيطين الهادئ والهندي التي تسعى واشنطن لتحويلها إلى منطقة أميركية.. ولا ينافسها في هذه المنطقة سوى الصين.
الاستفزاز الجديد قد لا يتأخر، وهو على الأكيد سيكون أعلى مستوى من زيارة بيلوسي إلى تايوان.. ولا يوجد مستوى أعلى سوى الاعتراف باستقلال تايوان.
أخطأ- بداية – من اعتقد أن زيارة بيلوسي إلى تايوان ستشعل حرباً تكون الصين البادئة فيها.. وأخطأ تالياً من اعتقد أن إتمام هذه الزيارة هو فوز للولايات المتحدة. لم تحقق واشنطن الهدف المنشود وهو استفزاز الصين لدرجة تعلن معها الحرب، حتى وإن كانت حرباً محدودة، ذلك يكفي لتبني عليها واشنطن حرباً موسعة في محيطٍ حلفاء بكين فيه أقل وأضعف من حلفاء واشنطن.
اختارت الصين اللاتصعيد .. «اللاحرب» إذا جاز لنا التعبير، مكتفية بمناورات عسكرية واسعة زنرت بها تايوان، في استعراض قوة لا يمكن للولايات المتحدة إلّا أن تفهم رسائله، وأن تأخذه في حسبانها في حال عمدت إلى استفزاز جديد.. وإذا كان ميزان «الحلفاء في المنطقة» يميل لمصلحتها، إلا أنه لا يمكنها تجاهل القوة العسكرية الضاربة للصين، إلى جانب قوة العوامل اللوجستية، الزمانية والمكانية، التي تخدم الصين بصورة أكبر وأوسع.
الولايات المتحدة ردت بالمثل.. مناورات عسكرية ضخمة في جزيرة سومطرة الإندونيسية شارك فيها 5000 جندي من الولايات المتحدة وإندونيسيا وأستراليا واليابان وسنغافورة.. أيضاً لا يمكن للصين إلّا أن تفهم رسائلها جيداً.
إذاً هو استعراض متبادل للقوة، فهل هذا ما انتهت إليه فعلياً زيارة بيلوسي؟
أولاً، إذا صحّ أن واشنطن أرادت إشعال فتيل حرب أو مواجهة عسكرية من نوع ما.. وإذا صحّ أن الصين من خلال «ضبط التصعيد» أفشلت هذا الهدف، يمكن حينها وضع زيارة بيلوسي في إطار «جولة أولى» من ممهدات حرب لا بدّ واقعة.. تريدها واشنطن عاجلاً.. فيما تعمل بكين على أن تكون آجلاً.
ليس خافياً ما يعانيه الاقتصاد الأميركي من مصاعب ومن مخاطر ركود وتضخم. كل يوم يمر من دون أن تجد الولايات المتحدة «متنفساً» لاقتصادها المتعثر من جهة، ولاحتواء القوى الاقتصادية الصاعدة والمنافسة (كالصين) من جهة أخرى، فإن توقعات الاقتصاديين ستصدق حيال أن العمر المتبقي للاقتصاد الأميركي قبل الانهيار، عامٌ أو عامان على الأكثر.. ولأن الحرب غالباً ما كانت الوسيلة الأساسية لإنعاش الاقتصاد الأميركي وإخراجه من الأزمات، نرى الولايات المتحدة تسعى إليها في هذه المرحلة بصورة ملحة.
ثانياً، ليس من المتوقع أن تكتفي الصين بالمناورات العسكرية. هذا أمرٌ يدركه الجميع بمن فيهم واشنطن، وتايوان نفسها. حتى مع «الدعم الواسع والمباشر» الذي أعلنته بيلوسي لا قِبَل لتايوان بمواجهة الصين، عدا عن أن إدارة بايدن قد تتراجع في اللحظة الأخيرة عن المضي في مسارها التصادمي الحالي مع الصين، بمعنى؛ المسار الذي يقود إلى مواجهة عسكرية، مباشرة أو بالوكالة.. لنتذكر هنا أن مسار المواجهة مع الصين بدأ مع إدارة ترامب، باعتبارها «العدو الإستراتيجي والخطر الداهم» لكن ترامب قاد مساراً تصادمياً محسوباً بدقة تجاه الصين، أساسه (الحرب التجارية/ الجمركية) لكنه لم يَعمد إلى استفزاز الصين بالحدّة التي فعلتها إدارة بايدن بزيارة بيلوسي لتايوان.
إدارة ترامب كانت ترى المعادلة بين تايوان والصين كالتالي- حسب مذكرات الشهير جون بولتون: ” كان ترامب يحب الإشارة إلى طرف قلمه ويقول: هذه تايوان.. ثم يشير إلى الطاولة الراسخة في المكتب البيضاوي ويقول:هذه الصين”.
ثالثاً، تستطيع الصين فرض حصار كامل على تايوان. تمتلك إمكانات عسكرية مُعدة بالكامل لهذا الغرض. يمكنها تحت ستار المناورات والتدريبات العسكرية إغلاق المجال الجوي والبحري بأكمله حول تايوان (كما في المناورات الحالية). لن تتمكن أي سفن، حتى المدنية، من دخول موانئ تايوان.. ولدى الصين الحجة الشرعية، باعتبار أن خطوات واشنطن غير الودية أجبرتها على ذلك.
رابعاً، جاء في الإعلام الصيني أن «معركة استعادة تايوان بدأت».. طبعاً ليس المقصود أن زيارة بيلوسي هي من أطلقتها، وإنما ستسرع مراحلها.. الصين ستحوّل زيارة بيلوسي إلى «فرصة» لرفع وتيرة استعادة تايوان.. وستكون واشنطن عاجزة إلّا إذا ضاعفت من تهورها ودفعت تايوان إلى خطوة حربية مع الصين.. لكن العواقب وخيمة «أولئك الذين يلعبون بنار تايوان سيموتون بها»..هذا ما قاله- حرفياً- الرئيس الصيني شي جين بينغ لجو بايدن.. والعبرة لمن اعتبر.
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>