توطين المشاريع الضخمة لإعادة الإعمار
تواجه سورية منذ بدء الحرب الكونية عام 2011 أوضاعاً اقتصادية صعبة جداً , ومع انتهاء الحرب وفشل دول المحور بتحقيق أهدافها سياسياً وعسكرياً لجأت إلى خيارات الحصار والتجويع, حيث تفاقمت الأوضاع الاقتصادية بشكل مخيف خلال الأشهر الماضية مترافقة مع عدة عوامل:
– ارتفاع مخيف بمستوى الأسعار فاق كل التوقعات مع أن سعر صرف الدولار الأمريكي ثابت .
– أزمة كهرباء خانقة شلّت كل المرافق الاقتصادية والحيوية وعطّلت أعمال معظم المواطنين، نجم عنها أزمة في مياه الشرب والسقاية ناجمة عن قلة ساعات تغذية الكهرباء نتيجة شح المحروقات.
– أزمة في المشتقات النفطية من غاز ومازوت وبنزين وانتشار الأسواق السوداء بشكل مخيف.
الحكومة تتحرك ضمن هامش ضيق جداً لحل الإشكاليات لعدة اعتبارات:
– حل مشكلة الكهرباء يتطلب صيانة المحطات والشبكات بتكلفة تبلغ مئات الملايين من الدولارات, وهذا يفوق قدرة الحكومة حالياً ضمن ظروف الحصار والعقوبات وإحجام الشركات الغربية المنشئة لتلك المحطات عن تزويدنا بقطع الغيار .
– تحسين المستوى المعيشي يحتاج إيرادات حكومية, وهذا الأمر مرتبط حالياً باستعادة الحكومة لمواردها الأساسية من المنطقة الشرقية كالنفط والقمح وغيرها.
– حل أزمة المشتقات النفطية ينسحب على تحرير الحقول أيضاً.
إذاً ما هي الخيارات البديلة المطروحة في ظل كل الظروف الداخلية والخارجية؟
قد لا تتغير الظروف السابقة لسنوات وقد تنتهي خلال أشهر وهذا مرتبط باعتبارات دولية وخاصة مع الحرب في أوكرانيا وتصاعد الأزمات الاقتصادية عالمياً بسبب هذه الحرب وجائحة كورونا الجديدة والمتجددة.
هل نبقى نراوح في النقطة ذاتها ؟
يمكن برأيي ابتكار بعض الحلول التي تساعد على تجاوز الأزمات والتخفيف من آثارها اقتصادياً واجتماعياً وخدماتياً. وذلك من خلال محاولة توطين صناعات أجنبية عملاقة بشكل إقليمي يغطي أغلب المناطق اعتماداً على عوامل الجذب الداخلية المتمثلة برخص الأيدي العاملة بشكل كبير مقارنة مع كل دول العالم والموقع الجغرافي المميز لسورية الذي يشكل حلقة وصل للشركات نحو العالمية. فمثلاً يمكن جذب وتوطين شركة روسية أو صينية أو إيرانية في محافظة حماة وفق الشروط المناسبة لبلدنا :
– تقدم فيها الحكومة قطعة أرض مناسبة مع منح المستثمر كافة التسهيلات الجمركية والاستثمارية وأولوية استخدام المرافئ والمطارات.
– يتعهد المستثمر بإقامة محطة كهربائية متوسطة تغذي المجمع والمدينة المحيطة به وبالتالي حل مشكلة الكهرباء بشكل مناطقي تدريجياً.
– يتم تشغيل آلاف العمال برواتب مقبولة, ما يساهم في حل مشكلة البطالة وتنشيط الأسواق الجامدة نتيجة البطالة وانخفاض الدخول.
– يتعهد المستثمر بتنمية خدمات البنية التحتية من طرقات وخطوط هاتف وشبكات كهرباء وصرف صحي ومياه في المناطق المحدثة فيها, ما يخفف ضغط هذه الخدمات عن كاهل الحكومة .
– يتعهد المستثمر بإقامة تجمعات سكنية ضخمة بالقرب من المجمعات الصناعية وبيعها للعمال بأقساط تتناسب مع مستويات دخلهم بعد تجهيزها وإكسائها عن طريق شركات القطاع العام، ما يخفف الضغوط في سوق العقارات ويقود إلى تخفيض أسعار السكن وبنفس الوقت يضمن تشغيل الشركات الحكومية.
بحيث نصل في النهاية إلى إحداث مجمع صناعي ضخم متكامل ويمكن إدخال بعض الصناعات الحكومية القائمة ضمن المجمع الصناعي. هذا المجمع يشكل بيئة رافعة للمنطقة المحدث بها وهناك تجارب قديمة في دول مجاورة يمكن الاستفادة منها.
أخيراً أعتقد أنه في ظل الظروف الصعبة والمفصلية التي تمر بها سورية ولاسيما شح ونقص مصادر التمويل والإيرادات لدى الحكومة وتردي أوضاع الخدمات ولاسيما الكهرباء والحاجة الملحة إلى معالجة مشكلات الكهرباء والبطالة والسكن وخدمات البنية التحتية تبرز هذه المجمعات الصناعية كحل متوازن وقادر على تحقيق التنمية الإقليمية المتوازنة.