أزَمَات نُصوص وأُجور وتقنيات.. مسرح الطفل يُدين نُجوم الشاشة

لبنى شاكر:

شَهِدتُ منذ عشر سنواتٍ تقريباً، اتصالاً مع وزارة الكهرباء، يرجو فيه مخرجٌ مسرحيٌ إعادة وصل التيار لأن عرضاً للأطفال سيبدأ خلال دقائق، مُؤكداً أن التنسيق لهذا الأمر تمّ منذ أسبوع، وكل مَن زار مكاتبهم وَعدوا إيقافَ التقنين خلال أوقات العرض لتوفير الإضاءة والتدفئة وبقية المُستلزمات، لكن يبدو أنهم تناسوا ذلك، يومها قال الرجل: «لو كنتُ أملك أجرة تكسي، لذهبت فوراً إلى المعنيين وذكّرتهم ورجوتهم ألّا يكونوا سبباً في خذلان الصغار القادمين للفُرجة، لكنني مضطرٌ للانتظار على الخط»!.

هكذا بالضبط تسير الأمور في مسرح الطفل، البعض يُريد العمل، وتالياً عليه أن يتحمّل، ولو كان السؤال ما الذي عليه أن يتحمّله تحديداً؟، فالجواب هنا مفتوحٌ، يبدأ كما يعرف الجميع، بالأجور المُتدنية، والتي لم تشفع مئات العروض بما فيها من جهدٍ بذله الفنانون والفنيون، وجماهيريةٍ مُثبتةٍ بالإصرار على الحضور، كما لم تنجح مئات المقالات أيضاً، في التعاطي معها بجدية، لا بطريقة المكافآت، ورفع الأجور لا يتعلق بمديرية المسارح والموسيقا، بوصفها الجهة المسؤولة، بل بِمن يملك القرار فعلاً.

بالطبع، لا علاقة للمبالغ الضئيلة بغياب «نُجوم الشاشة» عن مسرح الصغار، بمعنى أن مُشاركة أحدِهم التي تُحفّز الجمهور لحضور عرضٍ مُوجهٍ للكبار، عاملُ جذبٍ معدومٌ تماماً في الحالة الموازية، وفي جوهره إدانةٌ لأسماءٍ كبيرة، بعضها بكت وناحت على حال المسرح، وأخرى قدمت تجارب ناجحة على قلّتها، لكن كليهما لم تلتفتا إلى مسرح الطفل تجاهلاً أو تخوّفاً، في وقتٍ كرّس فيه آخرون حياتهم لتبقى أبواب المسرح مشرّعة للأطفال، مبدؤهم حبٌ للمكان والفكرة والغاية، برغم إدراكهم بأنهم لن يحصلوا على أجرٍ مناسب ولن يتهافت الصحفيون والنقّاد على إطرائهم.

ومع إنّ إشكالية النص تُثار عادةً في عروض الكبار، لكنها قائمة كذلك في مسرح الطفل، فالبعض يرى أنّ ما يُقدَّم يتكئ على القصص العالمية، ونادراً ما نلجأ لِما في تراثنا، وهناك من يزعم بأننا انتهينا من حكايات الملك والوزير، والخير والشر، ويجب أن نبحث في احتياجات الطفل الذي كَبُرَ في الحرب، وهو مطلبٌ يحتاج ورشة عملٍ متكاملة، تعتمد منهجيةً موثوقة في عملها، ولا تنسى بأن هذا المسرح كان ولا يزال، المكان الوحيد المُخصص للعائلات، ولاسيما بعد أن تحوّلت مسلسلاتٌ تلفزيونية كثيرة إلى أفلام سينما من فئة +18.

الكلام عن النصوص غالباً ما يتجاهل المُميز منها، ليُشير إلى الهزيلة والساذجة، والتي تعتمد على التهريج والرقص، لكنه في عمومه يذهب بنا إلى مأزقٍ تقنيٍ يتفاقم يوماً بعد يوم، ويجعل من تحويل أي نصٍ إلى عرضٍ حي، حلماً صعب التحقق، فكيف نُقنع طفلاً يُتابع “ديزني” ومثيلاتها في الموبايل و”التاب” والتلفزيون يومياً، بما هو أقل جمالاً وجذباً؟، للأسف التقنيات في حدودها الدنيا غير متوافرة لدينا، ولهذا من البدهي اللجوء إلى نصوصٍ تتناسب مع الإمكانات المُتاحة، ومن ثم مُحاولة الاشتغال عليها لتصل إلى مستوىً يُحاكي ذهن الطفل قدر الإمكان.

وسواءً أرجع البعض ما قلناه إلى حالِ “أبي الفنون” وظروفه، أو عدّه أزمةً قائمة بذاتها، لا يُمكن التغاضي عن فروقاتٍ أصيلة بين الخشبتين، يعود بعضها إلى وجهة نظرٍ قاصرة تجاه عوالم الطفل، بدءاً من الأغنية والدراما التلفزيونية، وليس انتهاءً بالرواية والمسرح، ولو عدنا إلى كلٍّ منها منفردةً، لوجدنا ما رأيناه في عروض الطفل، مجرّد جهودٍ فردية لأسماءٍ معدودة، محاولاتٌ للتحايل على الصعوبات، مع غياب الدعم المؤسساتي الفاعل، والرهان فقط على ما هو قادم.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار