عبد المنعم علي عيسى
فسرت وسائل إعلام عديدة، وكذا محللون منضوون تحت لواءاتها، ما جرى على لسان الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن في خطابه الذي ألقاه في تكساس يوم الأربعاء الماضي بأنه (زلة لسان) ربما تعود في أسبابها لتداخل الأحداث في ذهنية الرجل الذي تقدم به العمر .
ففي الحفل الذي أقامته مؤسسة (جورج بوش) في تكساس يوم الأربعاء الماضي، ألقى بوش خطاباً عرج فيه على الحدث الأوكراني، وفيه قال بالحرف: (قرار رجل واحد أن يشن غزواً غير مبرر على الإطلاق ووحشي على العراق) قبيل أن يصمت لحظة ليصحح بعدها (أقصد أوكرانيا) ثم ليتابع حديثه آنف الذكر .
توصيف “زلة لسان” يمكن أن يفي بالغرض لتفسير ما قاله بوش الابن لدى جمهور ضيق هو في غالبيته يتكون من دعاة الحرب الأمريكيين ومن لف لفهم من تكتلات المال وشركات صناعة الأسلحة، ومعهم وسائل إعلامهم التي أقاموها خدمة للدفاع عن مواقفهم وسياساتهم التي تتناقض بالتأكيد مع المزاج العام السائد، لكن الفعل، أي التوصيف آنف الذكر، لا يفي بالغرض عند الكثيرين ممن يجهدون أنفسهم في البحث عن الدوافع بشتى أنواعها الفكرية والنفسية وما يجول بينهما .
اتخذت إدارة جورج بوش الابن قراراً بغزو العراق في شباط 2003 الأمر الذي تكشف عند وقوف كولن باول، وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، في مجلس الأمن رافعاً صوراً قال إنها لعربات عراقية متنقلة وهي تحمل أسلحة تدمير شامل، ليبدأ التنفيذ يوم 20 آذار من العام نفسه، بعيداً عن مجلس الأمن وبعيداً أيضاً عن مناصرة حلفاء تقليديين كفرنسا مثلاً، والفعل من حيث النتيجة كان قد أدى إلى سقوط أكثر من 100 ألف مدني قبيل قرار الانسحاب الأمريكي من العراق أواخر العام 2011 حسب منظمات حقوقية عديدة .
في الغضون، أي ما بين المرحلتين آنفتي الذكر، قال كولن باول: إن ذلك اليوم الذي وقف فيه مسوقاً للغزو كان بالنسبة إليه (يوماً أسود)، وهذا يعني أن قرار الغزو الذي اتخذه بوش الابن بشكل انفرادي كان بعيداً حتى عن الدائرة الضيقة في إدارته التي راحت تراجع حساباتها بشكل يوحي بأنها لم تكن مقتنعة بالذرائع المقدمة لشن الحرب، وهذي السياقات تتطابق تماماً مع السردية التي قدمها بوش الابن سابقة الذكر، والتي جرى وضعها في سياق (زلة لسان)، وحتى هذه إذا ما كان لها نصيب في الفعل فإنها تعني أن (العقل الباطن) للرئيس السابق كان قد فضح لسانه، ليصدر أوامره على عضو إرادي، هو اللسان، الذي أخرجت حركته الرواسب الكامنة في الأول مشيرة إلى نوازع واسعة الطيف تبدأ عند الحسابات الخاطئة ولا تنتهي عند محاولة تسويق الوهم لأجل تحقيق مرام لها حسابات داخلية، وأخرى لها علاقة أيضاً بحسابات الحليف الإسرائيلي .
قد لا يكون مهماً، بعد كل ما حصل، اعتراف باول بوهمية الذرائع، ولا مهماً “زلة لسان” بوش أياً تكن دوافعها، فالعراق جرى تدميره تماماً، لكن الأمر المهم هو أن نلحظ أن ثمة قرارات كبرى، من قماشة تدمير العراق، لا تزال تغوص في ذهنية (المقررين) كأخطاء جسيمة كانت لها تداعياتها الكارثية على المنطقة برمتها، والمهم أيضاً الدوافع التي قادت لارتكاب تلك الأخطاء، وهي تتراوح، على الأرجح، ما بين رسم توازنات جديدة في المنطقة، وبين ضمان (الأمن) الإسرائيلي .