الحرب الأوكرانية في يومها الثمانين

عبد المنعم علي عيسى
على مشارف انتهاء الشهر الثالث للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، بات المشهد الذي ترسمه ميادين القتال، وتراصفات القوى الدولية حولها، يشي بوجود حرب مستوفية لشروطها العالمية، وما يميزها عن نظيرتيها السابقتين هو أنها تخاض على رقعة جغرافية محدودة، وإن كانت بعض المؤشرات التي برزت مؤخراً توحي بإمكان اتساع رقعة الصراع خارج تلك الرقعة، وإن حدث فإن دائرة النار سوف تتسع حتى لا يعود للـ”المطافئ ” المتوافرة الآن القدرة على أداء المهمة المنوطة بها .
بالتزامن مع مرور ثمانين يوماً على اندلاع النار قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف “: الغرب بأكمله أعلن حرباً هجينة شاملة علينا، ومن الصعب التنبؤ بمداها، لكن من الواضح أن التداعيات سيشعر بها الجميع من دون استثناء ” ، قبيل أن يضيف :” إن محاولات الغرب لعزل روسيا مصيرها الفشل ” .
من يتابع السياسة الأمريكية منذ وصول جو بايدن للسلطة ، يمكن أن يكتشف أن سيناريو الصدام مع روسيا بات محتوماً، و ما تشير إليه تلك السياسات التي انتهجها هذا الأخير ما قبل 24 شباط الماضي، وما بعده، كلها ، توحي بوجود استراتيجية تقضي بممارسة أقصى الضغوط على موسكو لحشرها في زوايا تنعدم معها الخيارات لتستحيل، كلها في خيار وحيد هو الحرب دفاعاً عن أمن بدا مستهدفاً، وعن كيان بدا أنه واقع في دائرة الهدف بالمعنى الجغرافي للكلمة، ودون أدنى شك جهدت موسكو على مدى عامين ماضيين، للحؤول دون الوصول إلى خيار الضغط على الزناد، لكن ذلك لم يدفع بواشنطن إلّا إلى مزيد من الاستفزاز، الذي تزايدت نسبه بعد اندلاع النار بدرجة لا تقاس بسابقتها، بالتزامن مع محاولة إثارة نزعة “الرهاب ” عند الغرب منعاً لاتخاذ دولة مواقف تلبي مصالحها، أو هي تفضي إلى مزيد من الابتعاد عن المشروع الأمريكي، والراجح هو أن حالة ” الرهاب ” من روسيا سابقة الذكر قد لاقت شيئاً من النجاح ، الأمر الذي يمكن تلمسه عند كل من فنلندا والسويد اللتين تقدمتا بطلب الانضمام إلى حلف ” الناتو ” الفعل الذي فيما لو حدث ، وهو بات قريبَ الحدوث على الأرجح ، فإنه سيؤدي إلى اختلال ميزان القوى القائم على الحدود الشمالية لروسيا مع الحلف، وهذا يضع احتمالات الرد الروسي الذي لا يزال هادئاً حتى الآن تجاه هذه النقطة، في بحار المجهول، فالمخاطر الأمنية المتولدة من جراء فعل كهذا قد تعادل تلك المتولدة عن محاولة انضمام أوكرانيا لذلك الحلف، إن لم تكن تفوقه ، ناهيك بأنه ، أي فعل انضمام فنلندا والسويد للناتو سوف يرمز إلى نجاح أمريكي في إحداث اختراق وازن في لحظة تبدو فيها كل الاحتمالات مفتوحة .
واشنطن قررت رمي قفاز التحدي بوجه موسكو ، فيما الخيار الوحيد الذي كان أمام هذه الأخيرة هو قبوله ، وإذا ما كان الفعلان السابقان قد أفضيا، حتى الآن ، إلى تلقي ” المتخندقين ” في الجهة الأمريكية لخسائر تفوق بأضعاف تلك التي تعرّض لها الروس، فإن العديد من التقارير تشير إلى أن الاقتصاديات الأوروبية في معظمها ، قد تشهد حالات من الشلل التام وصولاً إلى إمكان انهيارها تماماً مع نهاية هذا العام إذا ما استمر الصراع الدائر في أوكرانيا، وما ” التعادل ” الذي سجلته سوق الأوراق المالية ما بين الدولار و” اليورو ” سوى أول الغيث في إمكان مضي هذا السيناريو نحو خواتيمه سابقة الذكر .
مكمن الخطورة في سيناريوهات كهذه هو أنها غالباً ما تقود إلى طرقات مسدودة، فعندما لا تستطيع السياسات فكفكة العُقد التي تقف في طريق عربة الاقتصاد تصبح الحلول عندها في عهدة القوة العسكرية لعلّها تستطيع أن تقوم بما عجزت السياسات عن فعله .

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار