تجارة «التفاؤل»!
قررت صديقتي “المنظومة” إخفاء ميزتها التفاؤلية وعدم ذكر أي كلمة بين محيطيها الاجتماعي أو العملي توحي من قريب أو بعيد بذلك وتحديداً فيما يخص تبدل الأحوال والواقع المعيشي، الذي “يغرب” عكس توقعاتها مطيحاً بكل رصيدها التفاؤلي، بعد موجة أسعار جنونية ضربت معظم السلع بما فيها المنتجة محلياً، لدرجة أن “البقدونس” لم يسلم من تسعير “غير رحيم” قفز بسعره أضعافاً، فما كان منها سوى لبس قناع “الجدية” الإجبارية تشبهاً بـ”العباد” المأزومة جيوبهم ونفسياتهم أيضاً بسبب أيام سوداء لم يكن يعتقد أكثر المتشائمين أنها ستصل إلى هذا المنحدر الخطير.
أزمة أسواقنا الجديدة، من رفع مستمر لأسعار السلع بلا مبرر واحتكار “الأساسية” بحجة الحرب الروسية – الأوكرانية، يحمل بصمات مافيات الاحتكار وتجار الأزمات، وهذا ليس مستغرباً، فالتصيد في أوجاع الناس و”الملمات” ملعبهم، لكن المستهجن طريقة تعاطي الجهات المكلفة ضبط أحوال السوق وقمع التجاوزات، حيث حافظت على الطريقة المعتادة في عملها من دون اتخاذ خطوات شديدة لمنع هذه المخالفات، التي تضرر منها أغلب المواطنين، الذين رفعوا أصواتهم عالياً لوقف هذا الاستنزاف لجيوبهم الفارغة، خاصة أن أمنهم الغذائي أصبح على المحك، فهل يعقل أنه إلى الآن لم يعلن عن محاسبة محتكر واحد أثبتت الأيام الأخيرة أنهم يخزنون الزيوت والسمون وغيرها في المستودعات لزيادة مكاسبهم والتحوط للأيام القادمة؟ وهل تسيير دورية تموينية هنا أو هناك كاف لردع من بات يتحكم بالسوق ولقمة عيش الناس، ويزيد الطين بلة سماع البيانات المعتادة ذاتها حول ضبط الأسواق وتوافر السلع ومحاسبة المخالفين استعداداً لشهر رمضان الكريم، كأننا نعيش وضعاً اعتيادياً وجيوب المواطنين في أفضل حالاتها؟.
جنوح صديقتنا إلى وضع “طربوش الربع” المتشائم فرضه واقع المعيشة المتردي ومنع حيتان السوق وحتى صغاره من التلاعب بأرزاق المواطنين “المرهقين” من تكاليف الحياة المتزايدة، وبالتالي عودة أسهم تفاؤل صديقتنا وكل مواطن صبر وتحمل رهن باتخاذ قرارات جريئة منصفة تحسن مستوى الدخول المتآكلة، وهذه الخطوة أصبحت ضرورة ملحة على أن يترافق ذلك مع اتخاذ إجراءات رادعة تضبط المحتكرين وتجرمهم بشكل علني، وقانون حماية المستهلك الجديد متاح لمن يرغب لتفعيله، حماية للمواطنين والتجار “الرحماء” والخزينة، لكن للأسف هناك من يصر على المراهنة على صبر المواطن والاعتماد على قروشه، بينما يفترض أن يكون الهدف جيوب كبار التجار المحتكرين لكن المصالح تحكم أحياناً، فكيف نتفاءل وصديقتنا وكل شيء يسير وفق مصالح التجار وشركائهم الفاسدين. ونخشى أن يدخلوا على خط التفاؤل ويبيعوه بـ”القطارة” وبأسعار خيالية!.