«مهرجان أغنية الطفل الخامس»… أداء مُبشِّر ومحتوى مُكرر!
لا تقتصر أهمية مهرجان «أغنية الطفل السوري» على اكتشاف أصواتٍ مُميزة بل تتشعب نحو الكتّاب والملحنين ممن ينتظرون فرصةً لتقديم مُؤلفاتهم، ومن ثم تتوالى إشكاليات الإنتاج والتسويق والاستمرارية إلى جانب الاستسهال والتكرار اللذين رافقا العديد من الأعمال الغنائية الموجهة للأطفال عموماً.
في موسمه الخامس مؤخراً، قدَّمَ المهرجان 45 طفلاً وطفلة غنوا على مسرح دار الأوبرا في دمشق، إضافة إلى 80 عازفاً وعازفة، جاؤوا جميعهم من مختلف المحافظات للتنافس واختيار الأفضل، أمام لجنة تحكيم خاصة يرأسها عميد المعهد العالي للموسيقا المايسترو عدنان فتح الله، وتضم في عضويتها المشرف الفني على المهرجان المايسترو نزيه أسعد.
عن تقييمهما للأداء والمُحتوى وما يُرافق إنتاج أغنيات الأطفال، كان حوار «تشرين» معهما. إليكم التفاصيل:
أهمية الاختلاف
يصف رئيس لجنة التحكيم المايسترو عدنان فتح الله مستوى الأداء في المهرجان بـالجيد، وإن كانت أهمية الحدث كما يرى «في اختلافه عما يُنشر في مجتمعاتنا من موسيقا وأغنيات مبتذلة، ولا سيما أن الأطفال المشاركين من جيلٍ مهووس بالميديا والإلكترونيات ووسائل التواصل»، ويضيف في حديثه إلى «تشرين»: «من المُبشِّر الاستماع إلى أطفالٍ يُؤدون ألحاناً مكتوبة على مقاماتٍ صعبة، يتركها الفنانون عادة باتجاه أخرى أكثر شيوعاً، من الضروري أن يتعلم الطفل غناء تراثه الموسيقي كما هو، ادعاء التجديد المنتشر في الفضائيات والإذاعات مهينٌ للتراث، بالطبع الفضل في تعريف الأطفال بألحانٍ أصيلة وتدريبهم الاستماع إلى ما يحمل قيمة فنية وفكرية يعود إلى أهلهم وأساتذتهم».
تنوّعت الأغنيات المقدّمة تبعاً لتقسيم المشاركين إلى شريحتين عمريتين، تؤدي الأولى من 6 إلى 9 سنوات أغنيات طفلية، تم تأليفها وتلحينها للمشاركة في المهرجان، فيما تؤدي الشريحة الثانية من 10 إلى 12 سنة أغنيات وطنية أو تراثية. يقول فتح الله: «استمعنا إلى مُحتوى جديد، حساس وجميل، هناك صغار غنوا لفنانين كبار أمثال فيروز وصباح فخري، اللافت إحياء تراث كل محافظة وإرثها بأصوات أبنائها، أيضاً اختار البعض الغناء لمحافظات أخرى والتعرّف على عاداتها وخصوصيتها، كل هذا يغني المشهد الموسيقي السوري عموماً، وسط حالة تنافسية مُحفِّزة».
مفاهيم جديدة
في الحديث عن الأغنيات الجديدة في المهرجان، يشير المايسترو نزيه أسعد إلى حصيلة هامة من الألحان والكلمات قُدّمت خلال المواسم السابقة. يقول لـ«تشرين»: المستويات متفاوتة ولكل موسم هويته ومستواه، لاحظت هذا العام تكراراً لبعض الجمل اللحنية والأفكار، مع اختلاف المفردات وطبيعة اللحن والتقطيع العروضي والقافية، لكن التشابه في المفاهيم ظاهر». ويرى أسعد « إمكانية اقتراح مواضيع أخرى كالزيتون والمطر والشجر، عوضاً عن الاختيارات التقليدية كالأم والمعلم والمدرسة ومحو الأمية».
يضيف أسعد: «نريد مفاهيم جديدة والحياة مليئة بها حقيقةً، المفهوم الجديد يستدعي لحناً وفكرة جديدين، لم نلمس التجدد هذا العام مقارنة بالعام الماضي حيث وصلت الأعمال المشاركة إلى الذروة في الطرح والقيمة الكلامية واللحنية، نتمنى مع التعليمات والمقترحات المُقدمة للمدربين والمعنيين الانتباه والعمل لتطوير الأغنية الطفلية، فهي على درجة من الحساسية والتأثير، لا مبالغة في أنها تبقى في الذاكرة مدى الحياة».
يُشبّه أسعد الأغنية المدروسة والمُوجهة بالبذرة النظيفة القادرة على النمو، فكيف إذا كانت تخاطب فئة نأمل منها ونبني عليها الكثير. يتابع: «يجب أن نزرع في الأطفال مفاهيم عالية المستوى بعيداً عن الكلام المبتذل المكرر والإيقاعات الصاخبة، وهنا يأتي دور مهرجان أغنية الطفل السوري والمهرجانات الأخرى في منظمات الطلبة والشبيبة لإرساء قواعد متينة في هذا الاتجاه».
إشكاليات بالجملة
تتعدد الإشكاليات أمام الكتّاب والملحنين وأصحاب المشاريع في ميدان الطفولة، ليأتي غياب الدعم والاهتمام في مقدمتها، وهو سبب رئيس في وأد تجارب موسيقية عديدة. يقول فتح الله: « لدينا تجارب مخلصة للهوية السورية لكنها لا تجد الانتشار المطلوب، نعاني صعوبات تتعلق بالإنتاج والتسويق حتى إن تكاليف التسجيل باهظة». ويستحضر نجاح الدراما السورية ليقول: صدّرنا الدراما بوجود رؤوس أموال وشركات إنتاج، الاستثمار في هذا المجال حقق فائدة مشتركة. في الموسيقا نحن بحاجة إلى مؤسسة إنتاج موسيقي تُعنى بالموسيقيين السوريين بحيث لا ينتظر هؤلاء فرصة للظهور في برنامج تلفزيوني يعرّف الناس عليهم، أو تبقى أعمالهم حبيسة الأدراج».
يؤكد عميد المعهد العالي للموسيقا أن «في رصيدنا ما يليق ويستحق الدعم والتوثيق والانتشار، فلماذا لا ندعم أصحاب المشاريع والقيم الفنية، ومن ضمنها أغنيات الأطفال؟». مشيراً إلى أن «تنشئة الطفل موسيقياً وأدبياً وفكرياً، تبدأ من الأهل وتكتمل مع المدرسة بطبيعة الحال لكنها كذلك تتكاتف مع بقية الجهات، من بينها وسائل الإعلام للوصول إلى صيغة معينة تخدم هويتنا، والموسيقا جزء منها، ففي زمن سابق كانت الإذاعات تُعرف من الأغنيات التي تقدمها، أما اليوم فكل أغنياتنا متشابهة، حتى إننا لا نعرف جنسية الفنان المغني!».
مُساهمة الإعلام في دعم الموسيقا المدروسة، لا تبدو كافية معظم الأحيان، إذا لم نقل إنها غائبة، يقول أسعد في حديثه عن أغنيات جميلة قدمتها منظمتا الطلائع والشبيبة ولم تحقق انتشاراً يُذكر: «السبب تسويقي بحت! إنّ تكرار أي أغنية سيجعلها معروفة مهما كان مستواها، لذلك تنتشر الأغنيات من النمط المعروف، ببساطة الموضوع تسويقي إعلامي «تكراري»، صفحات «الفيسبوك» قادرة على التسويق لكنها تهتم بالمظاهر والاستعراض أكثر من قيمة العمل، فلا تفي بالغرض، يجب تسويق الأعمال الغنية والهامة ليس فقط على نطاق الأطفال واليافعين بل لكل المحترفين والكبار، التكرار يحوّل التذوق العام إلى حالة مدروسة وصحيحة»، وفي هذا الكلام تفسير «للجهل بكتّابٍ وملحنين مبدعين».
تصوير: صالح علوان