في رثاء المكتبات
أسبوعٌ مرَّ على إغلاق مكتبة (نوبل) في دمشق، تقول الأخبار المتواترة على شكل منشوراتٍ حزينة، فاتها أن مكتباتٍ تاريخية هي الأقدم عربياً أُغلقت في دمشق القديمة تحت مسمياتٍ كالترميم وإعادة الافتتاح والتأهيل والأتمتة، من دون أن يصبح أيٌ من ذلك واقعاً ملموساً، ولأن المصائب لا تأتي فرادى حتى في شأن المكتبات، فقد عُوملت على أنها منتهية الصلاحية، ولم تحظَ بدعمٍ يجدد حضورها بين القرّاء، ويعيد إليها شيئاً من مكانتها وشهرتها، ما يعني ضمنياً الجهل بما تحتويه من كتب ومخطوطات ثمينة، بعضها مكتوبٌ بخط مؤلفيه، وكثيرٌ منها نجا بأعجوبة من التلف والسرقة والعبث خلال مئات السنين، إلى أن وصلَنا ثم كان مصيره المستودعات!.
في مراثي المكتبات، ينسحب الرثاء على القرّاء ممن ترهقهم أسعار الكتب المرتفعة كما مستلزمات الحياة الأخرى، ففي سوق الكتب المستعملة يصل سعر الروايات القديمة إلى 15 ألف ليرة، رقمٌ يتكرر ويزيد في المكتبات الأخرى، وإذا كان البعض قادراً على المفاضلة بين الكتاب وأي احتياج آخر، فهناك من لا يستطيع، ولاسيما مع إمكانية القراءة بصيغة إلكترونية، وهذه أيضاً إشكالية ثانية حقيقية واجهت صناعة الكتاب الورقي، كمشروع ثقافي وربحي في آن معاً، ومع هذا لا يمكن التكهن بما آلت إليه أعداد القراء وساعات القراءة والمضامين المقروءة.. في استحضار الرثاء أكثر، تخيلوا أن البعض يعتذر عن قبول الكتاب بحجة أنه لا يملك مكاناً له أو وقتاً لقراءته!.
في الشارع حيث تقع (نوبل) ما زال كل شيءٍ في مكانه، الفندق والكافيتريات ومحلات بيع المجوهرات، يؤكد لي البواب في بناء مجاور أن المكتبة أغلقت أبوابها، أنظر من ثقوب الباب الخارجي، أعدادٌ من الكتب مكدّسة وبعضها ما زال في المكان المخصص للعرض. بالتأكيد لن تكون أخبار الإغلاق هذه هي الأخيرة، رغم ما صاحبها من تعاطفٍ واستهجان، نحترمه ونقدّره، نرجو فقط أن يكون مُنصفاً بحق التاريخ القريب والبعيد للمدينة.