أزمة سد النهضة مجدداً
ليست المرة الأولى التي نكتب فيها حول سد النهضة فعلى مدار العشر سنوات الماضية والأزمة مشتعلة ودخلت المفاوضات مراحل مختلفة, قدمت فيها مصر والسودان حسن النوايا بتوقيع اتفاقية إعلان المبادئ في الخرطوم يوم 23 آذار 2015 في قمة ثلاثية, وحضور ممثل البنك الدولي والذي يشير إلى دوره المالي المسبق في صياغة قضايا الأنهار وفي صياغة مبادرة توقيع هذه الوثيقة.
وتضمن الاتفاق ورقة تشمل 10 مبادئ تلتزم بها الدول الثلاث بشأن سد النهضة وتمثلت هذه المبادئ العشر في ( مبدأ التعاون على أساس التفاهم المشترك – مبدأ التنمية, التكامل الإقليمي والاستدامة – مبدأ عدم التسبب في ضرر ذي شأن – مبدأ الاستخدام المنصف والمناسب – مبدأ التعاون في الملء الأول وإدارة السد – مبدأ بناء الثقة – مبدأ تبادل المعلومات والبيانات – مبدأ أمان السد – مبدأ السيادة ووحدة إقليم الدولة – مبدأ التسوية السلمية للمنازعات.)
وعلى مدار السنوات الست الماضية وعبر مفاوضات مضنية كانت الخارجية المصرية تؤكد في كل مرة تفشل فيها المفاوضات أن هناك غياب للإرادة السياسية لدى إثيوبيا للتفاوض بحسن نية وسعيها للمماطلة والتسويف من خلال الاكتفاء بآلية تفاوضية شكلية وغير مجدية, وهو نهج مؤسف يعيه المفاوض المصري جيداً ولا ينطلي عليه.
وفي الجولة الأخيرة للمفاوضات التي عقدت في كينشاسا خلال يومي 4 و5 نيسان الجاري, لم تحقق تقدما ولم تفض إلى اتفاق حول إعادة إطلاق المفاوضات, حيث رفضت إثيوبيا المقرح الذي قدمه السودان وأيدته مصر بتشكيل رباعية دولية تقودها جمهورية الكونغو الديمقراطية التي ترأس الاتحاد الافريقي للتوسط بين الدول الثلاث, ووفقا لبيان الخارجية المصرية فقد رفضت إثيوبيا كذلك خلال الاجتماع كافة المقترحات والبدائل الأخرى التي طرحتها مصر وأيدتها السودان من أجل تطوير العملية التفاوضية لتمكين الدول والأطراف المشاركة في المفاوضات كمراقبين من الانخراط بنشاط في المباحثات والمشاركة في تسيير المفاوضات وطرح حلول للقضايا الفنية والقانونية الخلافية.
وبعد فشل المفاوضات وإصرار إثيوبيا على الملء الثاني في موعده اب المقبل, بناءً على تصريحات وزير الري الإثيوبي سيلشي بيكيلي الذي أعلن سابقاً عن الملء الثاني للسد في موعده المحدد بموسم الأمطار قبل بدء الجولة الأخيرة من المفاوضات والتي رفضت فيها إثيوبيا المقترح المصري بشأن مشاركة الوساطة الرباعية الدولية ( الأمم المتحدة – الاتحاد الأوروبي – الاتحاد الإفريقي – الولايات المتحدة الأمريكية ), فلا يمكن فهم هذا الرفض والتعنت الإثيوبي في مفاوضات سد النهضة والضرب عرض الحائط بالاتفاقيات والقوانين الدولية المنظمة للأنهار بعيداً عن الدعم الأمريكي والصهيوني لها, خاصة في ظل تصريحات الإدارة الأمريكية الجديدة برفض لعب دور الوسيط في عهد جو بايدن.
والغريب حقا أن فشل الجولة الأخيرة للمفاوضات جاء بعد أيام قليلة من الصرخة المدوية التي أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأن ” مياه مصر خط أحمر لا مساس بها, ولا يتخيل أحد أنه خارج نطاق قدراتنا “, وهي رسالة واضحة موجهة ليس فقط لإثيوبيا بل للعالم أجمع, ولكل من تسول له نفسه العبث بشريان حياة المصريين, لذلك تضع مصر المجتمع الدولي بمنظماته المختلفة أمام مسؤوليته في الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة, والتدخل بحسم لوقف أي محاولة إثيوبية لبدء الملء الثاني للسد قبل توقيع اتفاقية نهائية ملزمة تحفظ لمصر والسودان دولتا المصب حقوقهما التاريخية في مياه النيل, وإن تقاعس المجتمع الدولي ومنظماته عن القيام بالدور المنوط بهم فلا يلومون إلا أنفسهم, وليتذكروا المقولة الفرعونية المسجلة على جدران المعابد ” فليهرع الجنود لإنقاذ النيل, وترعى وصوله إلى معشوقته مصر”, اللهم بلغت اللهم فاشهد.
كاتب من مصر