صحيح أن الأفكار على قارعة الطريق، وما علينا سوى التقاطها من أجل كتابة هذه الزاوية وغيرها، لكن طُرقاتنا وعرة: إما حفرة وراء حفرة، أو سلسلة لا نهائية من المطبات. والأنكى أنه مع اقتراب نهاية كل عام يجتهد رؤساء البلديات والمحافظون في «تزفيت» شوارعنا إذ يفرشون الطرقات بالزفت، مُبْقين على «الريجارات» في مستوى أدنى، بحيث تتحول إلى «جُوَرٍ فنية» مع أول مطرة، تضاف إلى تلك التي يصوغها الزفت بسبب عدم «رَصّ» التربة تحته، ليصبح الوضع «تيتي تيتي متل ما رحتي متل ما جيتي»، مع فارق جوهري هو أنه تم صرف ميزانيات هائلة يأبى أولئك إلا أن يهدروها كي لا تُدوَّر إلى العام المُقبِل، ويظهرون بمظهر العاطلين عن العمل.
وصحيح أن الأفكار لها أجنحة، ومن حقها علينا أن نترك لها المدى لترفرف فيه، لكن كيف السبيل إلى ذلك؟ فبعد الفارق الكبير في السعر بين المازوت الصناعي والمخصص لوسائط النقل العام، بتنا من النادر أن نجد «سيرفيساً» على خطِّ سيره، لأن صاحبه يعيش ببساطة من الفرق في السعر، من دون أن يحرك مركبته سوى إلى الكازية ومنها، وبالتالي لم نعد قادرين على الوصول إلى أماكن عملنا، فكيف بالمدى والأفق وما إلى ذلك من شاعريات لا تليق بنا.
وصحيح أن تغذية الأفكار هي شمسٌ ثانية بالنسبة للبشر، لكنها صِدْقاً لن تُشعّ من دون كهرباء، ومهما تكيَّفنا وتأقلمنا مع «الوضع الليلي»، إلا أننا لن نمتلك رؤية الخفافيش أو البومات، ومع التقنين الجائر وعدم عدالته بين المدن والأرياف، قد تذبل أهم الأفكار، ويذوي أصحابها في عتمتهم، لدرجة أنه مهما أشرقت أفكارهم النَّيِّرة، فإنها لن تنير الظلام الدامس كما تفعل «شرقطات» أسلاك التوتر العالي، وهي تلمع وتومض قبل أن ينقطع التيار، وينقطع معه أملنا بأمسيات شتوية غير تراجيدية.