تحريك شبح الحرب الباردة
يبدو أن ذهنية الحرب الباردة لا تريد مغادرة الساحة الدولية، رغم التطورات والمتغيرات الحاصلة نتيجة عوامل سياسية واقتصادية متعددة، فشبحها لا يزال قابعاً في سماء القارة العجوز، يرفض الدفن، كما تستنهضه الولايات المتحدة الأمريكية متى اقتضت مصلحتها ذلك، حيث ربطت التوتر في أوروبا بمصير هيمنتها الأحادية، والولايات المتحدة تنفخ باستمرار لتسعير نار الحرب الباردة في أوروبا، فحسب وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو فإن “ناتو” يسعى للعودة إلى مواجهة الحرب الباردة.
لكن هل أوروبا وخاصة ألمانيا التي لها مصالح كبرى في التشابك في مجال الطاقة مع روسيا، أو هل لفرنسا التي تسعى لإنشاء جيش أوروبي مصلحة في عودة أشباح الحرب الباردة؟ الأصابع الأمريكية واضحة منذ البداية في تحريك “ناتو” للتحرش بروسيا، فهذا الحلف ورغم أنه قد تحول في السياسة الدولية إلى مومياء تحركها مصالح أمريكا، إضافة لانتفاء سبب تأسيسه وهو مواجهة الاتحاد السوفييتي السابق، لا يزال كما هو يعمل بالذهنية ذاتها منذ أكثر من سبعة عقود.
في معطيات الواقع في مجال الطاقة وسعي دول أوروبا المحموم خلف طاقة أقل تكلفة وهذا ما تلبيه العلاقات الطيبة مع روسيا، وهذا أيضاً لا يتم إلا في جو أقله تقليل حدة التوترات، تكمن المصالح الأوروبية في عدم التصالح مع ماضي حلف “ناتو” العدائي لموسكو، لكن هذا لا يلبي مصالح أمريكا، التي تتمسك بشبح الحرب الباردة رغم تفككك الاتحاد السوفييتي.
البقاء في أجواء الحرب الباردة مصلحة أمريكية بحتة سياسية، أولاً: “للبقاء” على رأس الهيمنة والسيطرة العالمية، فإبقاء أوروبا تحت الوصاية الأمريكية هو ما يعطي الأخيرة أغلب هذه الهيمنة، وثانياً: اقتصادية، فعودة العداء بين روسيا ودول أوروبا، وهذا ما تعمل عليه أمريكا، يقدم الغاز والنفط الأمريكيين إلى الواجهة، رغم التكلفة الزائدة على أوروبا التي ربما توضع أمام هذا الخيار المكلف إذا بقيت على خضوعها لأمريكا، إضافة إلى أن زيادة حدة التوتر في منطقة حيوية لإمدادات الطاقة يزيد من إمكانيات النفط الصخري الأمريكي من النهوض من جديد، فعالم السلام والحوار والتكامل الاقتصادي ليس في مصلحة أمريكا.
على أوروبا العمل لمصالحها بدلاً من هذا الخضوع المذل والمبالغ فيه لواشنطن، فعالم اليوم والغد هو لمنْ يجيد لعبة تبادل المصالح والمنفعة وليس لمنْ يورط نفسه في حروب الغير.