أيتام في الحرب.. والدراما
معروفٌ أن الدراما السورية بدأت منذ وقت مبكر بمواكبة الأحداث التي شهدتها البلاد عام 2011، فأنتجت أول عمل في هذا السياق هو «فوق السقف»، تتالت بعده عشرات الأعمال التي رصد بعضها حمل السلاح وتهريبه، إضافة إلى النزوح والتشرد وثراء ما بعد الحرب، في حين غاصت أعمال أخرى منها «ضبو الشناتي» في اختلافات الرأي ووجهات النظر ضمن البيت الواحد، ناهيك بالهجرة والكثير من خسائر الأرواح والأماكن، وغير ذلك مما يصعب حصره في زاوية صحفية.
في المحصلة شكّلت الحالة الإنسانية أو ما يمكن تسميتها «نتائج الأزمة اجتماعياً» هاجساً ومنفذاً للكتابة، على اعتبار أنها تكاد تكون وجه الحرب الأبرز، إلا أن من يتابع مسلسل «قلوب صغيرة» في إعادة عرضه على قناة «لنا» يُدرك أنّ ما قدمه هذا العمل يُوجز جزءاً كبيراً مما قدمته الدراما خلال سنوات الحرب، في مقاربة وضع المجتمع اجتماعياً واقتصادياً، مع الإشارة إلى أن عرضه الأول كان عام 2009.
العمل أشبه بعدسة مكبّرة، يلاحق عدداً من الشرائح المهمّشة في المجتمع، بدلاً من عرضها كخطوط ثانوية أو عوامل جذب، بدءاً من تعاطي المخدرات والتفكك الأسري، مروراً بالتسول وزواج المصلحة، وليس انتهاءً بالعنف ضد النساء، أما أكثر ما يفضحه «قلوب صغيرة» فهو المعاملة السيئة التي يتعرّض لها الأطفال الأيتام، وما يتعلق بها من اعتداءات وتجارة أعضاء، ناهيك بالنظرة الدونية والاحتقار المُمارس عادة على الضحايا، ولا يتردد العمل في التأكيد على أن اللوم المُوجه لهذه الشريحة يأتي من مختلف الشرائح، بمعنى أنه ليس محصوراً بفئة غير المتعلمين أو الفقراء أو ضحايا الجرم نفسه أحياناً، ليشمل نماذج مجتمعية غير متوقعة.
والسؤال: «أين درامانا اليوم من أيتام الحرب»؟ مئات الأطفال الذين فقدوا عائلاتهم داخل سورية أو في رحلة اللجوء، ومن أصبحوا بطبيعة الحال مجهولي النسب أو فاقدي الأطراف، ولو أردنا البناء على ما قدمه المسلسل قبل الأزمة لقلنا إنّ عالماً قائماً في حد ذاته، بعيداً عن الشاشات والأقلام، لا شك في أنه يستحق التقصّي والكتابة والمحاكمة الأخلاقية، تماماً كما في «قلوب صغيرة»، وربما أكثر.