مآل الصراع في المتوسط
انضمت للصراع على غاز شرق المتوسط دول أخرى لا ترتبط جغرافياً بالمنطقة بشكل مباشر مفسحة لنفسها منفذاً إلى المنطقة الواعدة بإنتاجها، وبدأ التنافس والتهديد بين الدول حتى من ضمن الحلف الواحد- شمال الأطلسي “ناتو”، فالصراع بين اليونان وتركيا يتخذ طريقاً تصاعدياً، ما قد يرفع حرارة المتوسط.
البلطجة التركية -لا يمكن تسميتها إلا هكذا- تجري في المتوسط بسفن الاستكشاف وبرفقة سفن ومدمرات عسكرية، فيما حضرت قوة بحرية وجوية فرنسية إلى جانب اليونان التي تؤكد أن تركيا تعدت على حقوقها، ما ينذر بتصاعد حرارة المتوسط مع هذا الإصرار الغربي والتركي على التمسك كل بموقفه، فأوروبا بثقلها من خلال فرنسا تقف وراء اليونان.
أما أمريكا فتسير باتجاهين، أولهما: تنطق به “الدولة العميقة” فإذا كان الاستكشاف التركي لحقول جديدة واستثمارها يضايق روسيا، فإنها مع تركيا، والاتجاه الآخر يعكسه الرئيس الحالي دونالد ترامب وإدارته إضافة لأصحاب صناعة الغاز الأمريكية، إذ إن قرب حقول غاز المتوسط من المستهلك الأوروبي إضافة للغاز الروسي يضعه في موقع منافس للغاز الأمريكي الذي يسوق له ترامب في أوروبا، لكن الاتجاه الأول رأي “الدولة العميقة” هو الغالب، أي إن نشاطات تركيا البلطجية في شرق المتوسط حاصلة على ضوء أخضر أمريكي، ما دام الهدف إزعاج روسيا.
من جانب آخر، يمكن أن يوصل الصراع بين تركيا واليونان على الغاز وموقف أوروبا منه، إلى قناعة أخرى تتعلق بموقف الغرب من انضمام تركيا له، فمن جهة مشاركتها في “ناتو” هي رغبة أكثرها أمريكية لاستخدام تركيا ضد الدول المناهضة لأمريكا ولاسيما ضد سورية والعراق وإيران وروسيا، رغم المصالح الاقتصادية المؤقتة والمهادنة السياسية بين الأخيرتين وتركيا، وإرضاء أمريكا لتركيا لمنعها من الجلوس في الحضن الروسي، ومن جهة ضم تركيا إلى الكتلة الأوروبية، فالموقف الأوروبي الصريح إلى جانب اليونان يكشف حقيقة التباعد الواضح بين أنقرة وبروكسل واستحالة عد تركيا جزءاً من أوروبا وضمها لها.
الصراع على غاز المتوسط هو أكثر من ملف اقتصادي، فالسيطرة على إنتاج الغاز فيه يعني نفوذاً يمتد إلى أعناق المستهلكين له، ومن يملك مفاتيح الغاز في منطقة بهذا القرب من السوق الاستهلاكية الكبيرة في أوروبا يملك مفاتيح الضغط والسيطرة.
الصراع في بدايته والسيطرة عليه ممكنة، وخاصة أنه من طرفين في “ناتو”، والحلول لن تخلو من موقف أمريكي حاسم يضع الإستراتجية العليا لـ” ناتو” في سلم الأولويات، أي العداء لروسيا.