لم تأت المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن بأي جديد عندما صرحت قبل أيام بأن أمريكا سوف تستمر في العقوبات على إيران “حتى تستسلم” لكنها كشفت “المنطق” الأمريكي الأعوج الذي يرسم سياسات دولة عظمى من المفترض أن تسعى لتحقيق مصالحها عن طريق تبادل المصالح مع الدول الأخرى واحترام خصوصيات الدول ومصالح الشعوب وفق ما نصت عليه الاتفاقات الدولية وميثاق الأمم المتحدة, والمشكلة الكبرى في هذا (اللامنطق الأمريكي) أنه لا يستهدف إيران وحدها وإنما يشمل معظم دول العالم التي قد لا تتوافق مع أوهام حكام البيت الأبيض, وبالتالي فإن أمريكا تعلن وبكل صفاقة على لسان مندوبتها في مجلس الأمن وعلى لسان وزير خارجيتها وفي “تغريدات” رئيسها ترامب أنها مستمرة في التغريد خارج سرب المنطق والقانون وخارج ميثاق الأمم المتحدة (وعلى عينك يا تاجر).
وبالتالي فإن الولايات المتحدة تعرض الأمن والسلم الدوليين للخطر ولاسيما أنها باتت تهدد دولاً عظمى كروسيا والصين ليس اقتصادياً وسياسياً فقط وإنما باتت تلوح باستخدام القوة العسكرية مع أنها تعلم جيداً أن مواجهة تلك الدول أو حتى الدول الأخرى لن تعود عليها بأي فائدة وأن أي حرب تفرضها أمريكا خارج قرارات مجلس الأمن لن تكون نتائجها لمصلحتها.
إن سياسة “فرض الاستسلام” على الدول الكبرى أو الصغرى سياسة مرفوضة وفاشلة ولن تعدم الدول الفقيرة قبل الغنية وسائل الدفاع عن وجودها، و”إصغار” الناس بالعين الأمريكية يذكرنا بالقول الشائع “الحرش بيشعلو عود الثقاب”.
إن ما نذكره اليوم ليس درساً ولا نصيحة لحكام البيت الأبيض وإنما نقول ما يعرفونه جيداً وما يطالب به بعض ساستهم, لكن تقاعس بعض القوى الدولية عن اتخاذ موقف حازم من هذا الاستهتار الأمريكي لا يعني أنه سوف يستمر إلى أمد بعيد, فلا أحد سوف يعلن استسلامه, ومنطق الحياة يؤكد أن إرادة الشعوب لا تقهر.