حارة في مواجهة إمبراطورية ‏

تشرين- ادريس هاني ‏:
يبدو التحدّي اليوم مضاعفاً، لكن النسق الدلالي لهذه المعركة يَحبل بحقائق كبرى، لعل واحدة ‌‏منها، فقؤ عين التشنيع الأزلي الذي حبكته الدّعاية ضدّ محور المقاومة والإسناد، هل يملك أي ‏قزم ‏كيدي أن يتحدّث بعد اليوم عن وجود تفاهمات أو تحالفات سرّية خرافية بين محور الإسناد ‏ومحور ‏الاحتلال، بعد كل هذه التضحيات؟.. هل يوجد أهبل سيتحدث بعد اليوم عن مسرحية ‏بعد احتدام ‏المعركة؟.. الكل وَجَب أن يهرب إلى الأمام ويُجاهر بطلب الصفح من أزمنة ‏التشنيع، الهروب إلى ‏الأمام يجب أن يكون مُعلناً لا تلصُّصاً وتغييراً تكتيكياً في الشعارات.‏
تشمخ الضاحية بتضحيات جمهورها، بيئة مدنية تساند مقاومتها، ما ذنب القوم إن كانت كل ‏حكاية ‏الاحتلال جرت على أرضهم، ما هو هذا الشيء الغرائبي للاستشكال على أمّة من البشر ‏تسعى ‏لتحرير أرضها وأيضاً تعزيز سيادتها على أرضها؟.. من يملك من حثالة الإعلام ‏والسياسة أن يزايد ‏بعد اليوم على مصداقية طلائع المواجهة بحقد سافل؟.. من هو الطرطور ‏الذي سيعطي دروساً بهلوانية لقوم أحرار في عزّ المكابدة والكفاح؟
يجهل الساخرون أنّ الاحتلال الذي يتحدّى المنطقة والنظام الدّولي- وبعد أن كسر شوكة الدول ‌‏العربية – هو اليوم ومن يسانده من القوى العظمى، يجد نفسه في مواجهة حارة محاصرة ‏بالعقوبات ‏والتشنيع والكيد الأبدي. إن أبناء حارتنا هم اليوم في مواجهة حارقة مع ‏امبراطوريات تسعى ‏للإبادة، فهل يعلم القردة أن النار هنا لا تمزح؟.. هل آن الأوان لنتحدث ‏عن هزيمة واحتلال بنية ‏المقاومة؟.. ولو كان الاحتلال يملك أن ينزل إلى الأرض لما تأخر ‏لحظة أمام هذا الاستنزاف ‏المفرط الذي تقوم به قوى الإسناد.‏
المشككون في النيات في حالة هلع، بعد أن تهشّمت سرديات التشنيع الطائفي المقيت والمزمن، ‌‏والتِّقوال الحقير ضدّ من يضحون وهم من يملك زمام المبادرة في المعركة الكبرى والحرب ‌‏الشاملة.‏
إن دروس سنافير الهزيمة لا تقدم ولا تؤخّر، والهاربون في استدراك مستقبل سيظهر فيه ‏اعورار ‏سرديتهم، تفضحهم التفاصيل وهم في استدراك متواصل، ومنها خلوّ البيانات من أي ‏تضامن مع ‏شهداء الإسناد، قد يفعلون ذلك بعد هذه المقالة ويتداركون ذلك في سباق مغالط مع ‏الزّمن، وهروب ‏من الموقف.‏
لقد تربت البيئة على ثقافة التشنيع ردحاً من الزمن، فطال الأمد وقست القلوب، وتمادى النفاق ‏ضد ‏جمهور ضاحية الشرف والإباء، فبات لا مناص من تنويع الأدوار وتقاسمها على ركح ‏مسرحية ‏الفصول الأربعة.‏
إنها حارة في مواجهة الإمبريالية، وبحر من التِّقوال البليد ليس له سوى إحداث صخب ‏ الصّرّار ‏الذي جادلته النملة وهو في كبرياء لَهَوِي فوق الشجرة. وجب توثيق الذاكرة في ‏مستدرك على ‏حكايات لافونتين، أو استدراكاً على الحيوانات المصابة بالطاعون. حارة تقارع ‏وتقدم الشهداء في ‏عمر الزهور، أفواج في جمال بهيّ وقُدُودٍ ممشوق كالمانكان، بينما التشنيع ‏يأتي من وجوه مقيتة ‏عليها غَبَرَة.‏
حين ينخفض صوت القيادة حد أن يصبح معزوفة هادئة تسبق البركان، فعلى الاحتلال أن ‏يتحسس ‏رقبته. فالحرب السيبرانية المفتوحة ستكون وبالاً على احتلال فقد البوصلة. لو كان في ‏وسع ‏الامبراطورية أن تفعل شيئاً لكانت فعلته في محطّات سابقة. قد تكون البنية بدأت تتحسس ‏مخارج ‏التحرر التّاريخي، فالمفاجآت التي ترافق الذروة هي مؤشرات مهمّة، والاحتلال وحده ‏يخشى من ‏الهدوء والاحتمال والمؤشرات، ويراهن على ميديا الحيوانات المصابة بالطّاعون. ‏ففي البدء مع ‏انبثاق أفواج المقاومة، كان النشيد الملهم:‏
نحن بركان تفجر / هاتفا الله أكبر
صرخة صماء تبقى / فوقها الأمواج تكسر
نرتدي الأكفان حتى / كل دنيانا تحرر ‏
ليس يثنينا طواغيت / كما يحلو لكارتر
لا ولا ريغان مهما / أبدى أنيابا وكشّر
لا يمكن محق أمّة ترى أنّ القتل لها عادة وكرامة بنيها من الله الشهادة, وهم مستعدون للدفاع ‏عن ‏أنفسهم بلا حاجة لأي غوغائية. إنّها أمّة من الفرسان تعرف جيداً مهمّتها التّاريخية. ‏

يلعب الاحتلال المدجج بقوى امبراطورية لعبة الحرب القذرة، يستهدف المدنيين بخرق القانون ‌‏الدولي الإنساني والأمن الدولي للتجارة، الإعلام البغلي الأصفر يواصل الحرب النّفسية عبثاً، ‌‏والتحليل النفسي للخطاب يميل إلى تأكيد نهاية تاريخ المقاومة، أي بالمفهوم: انتصار ‏الاحتلال، ‏فهبوا إلى الاحتفال واطلبوا العبيد للرّقص، والحقيقة أنّ هذه العمليات زادت بيئة ‏المقاومة قناعة ‏وبصيرة، وزادت المقاومة بأساً وصلابة، فالعدوّ يستهدف المدنيين، وباتت ‏القضية مبدئية زائد ‏عدالة الثأر، إنّ الاحتلال يحسب تاريخ نهايته بذُهان، وسيكون العازف ‏الأخير على تفكّكه هو تلك ‏الحارة، المكللة بمجد الشهداء، الذين شكلوا عقدة تاريخية للاحتلال، ‏أيها الاحتلال الجبان، انزل إلى ‏الأرض ولا تختفي في السماء، ولا في لعبة الضغط عن طريق ‏إرهاب- دولة ضدّ المدنيين. إنها ‏حارة تفرض على الاحتلال حصاراً وليس فقط إسناداً، فشماله ‏لم يعد واعداً، ومنه سيستشري ‏التفكك المنهجي لسائر كيان مضحوك عليه بوعد كاذب، ما ‏أغبى الاحتلال، ما أغباه حتى الثمالة.‏

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
مناقشة تعديل قانون الشركات في الجلسة الحوارية الثانية في حمص إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه ‏الملاحة البحرية.. بسبب سوء الأحوال الجوية صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا خلال اليوم الثانى من ورشة العمل.. سياسة الحكومة تجاه المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والرؤية المستقبلية مؤتمر "كوب 29" يعكس عدم التوازن في الأولويات العالمية.. 300 مليار دولار.. تعهدات بمواجهة تغير المناخ تقل عن مشتريات مستحضرات التجميل ميدان حاكم سيلزم «إسرائيل» بالتفاوض على قاعدة «لبنان هنا ليبقى».. بوريل في ‏بيروت بمهمة أوروبية أم إسرائيلية؟ إنجاز طبي مذهل.. عملية زرع رئتين بتقنية الروبوت مركز المصالحة الروسي يُقدم مساعدات طبيّة وصحيّة لمصلحة المركز الصحي في حطلة القوات الروسية تحسن تموضعها على عدة محاور.. وبيسكوف: المواجهة الحالية يثيرها الغرب