التقنية لا تهزم إلا التقنية.. إذا خانتك التقنية فلذ بالطبيعة
تشرين- ادريس هاني:
- هذه عملية تدخل في إرهاب دولة سيبراني، عمل يستهدف المدنيين بالدرجة الأولى، هدفه إعادة الرّدع، أثره مأساوي لكنه لا يحسم الحرب.
- إن الحرب ليست فقط قدرة على تسديد الضربات، بل أيضاً استيعابها، وعليه، من يستوعب أكثر، يكون أقدر على حسم المعركة، إن الاحتلال يعاني من هشاشة استيعاب الضربة، بخلاف المقاومة، التي من خصائصها الاستيعاب.
- ليس في كل هذا عبقرية، بل هو تهديد غبي للتجارة الدولية، من سيثق يا ترى في أي منتوج غربي حتى لو تعلّق الأمر بقنينة ماء مستوردة؟ كم ستخسر شركات تسويق الأجهزة الإلكترونية؟ كم سيخسر الاقتصاد الآسيوي من الثقة في الشريك الغربي؟ هذا هو الإنجاز الأعظم لتفجيرات البيجر، حرب على التجارة الدولية.
- اختراقات سيبرانية أصابت دفاعات الاحتلال، وكلّها لم يرَ فيها الكيديون عبقرية كما رؤوا في تفجيرات سيبرانية للبيجر؟ ما هي العبقرية في كل هذا سوى الثقة في التسويق والتجارة، اليوم الحرب لا حدود لها، والمقاومة دخلت عهد المقاومة السيبرانية.
- على الأقل بات واضحاً أنّنا لسنا أمام مسرحية؟ ومع أنّ المقاومة لا بواكي لها، ولا حناجر ترتفع تضامناً مع شهدائها، إلاّ أنّ سردية أنّ هذه مسرحية، تآكلت بصورة تكذبها الوقائع.
- الآن المقاومة تكابد، وهي في مواجهة حارقة، كل الذين لم يستوعبوا قيمة الإسناد وكلفته سيبتلعون ألسنتهم أو يطلقونها بعد حين، قدر المقاومة أن لا يكون لأهلها بواكي إلا من بيئتهم. إن الكيديين ينتمون لكوكب القردة(la planète des singes).
- تفجيرات البيجر محاولة للضغط أو لنقل تأديب يائس من احتلال يائس، لإيقاف صبيب الإسناد، إنّها الحرب، ولا بدّ من مفاجآت، لقد دخل الاحتلال نوبة هذيان حربي لا رجعة فيها.
- كان الاحتلال يهدف إلى إحداث تفجيرات واسعة النطاق في آن واحد، كان يتوقع أن تسقط قيادات كبيرة، وكبيرة جداً، لكن اتضح أنّ معظم الجرحى والشهداء هم مدنيون، فشلت العملية، لأنّها كانت موجعة إنسانياً لكنها ساقطة سياسياً.
- ومع كل ذلك، ليس فيما وقع عبقرية سوى غدر بالأعراف الدّولية، فتفجير جهاز سيبرانياً لم يعد معجزة، بل من قبيل الحقارة تفخيخ مواد تجارية مدنية، ومثل هذا لا يمكن أن يتكرر، ولكن احتواء الخطر السيبراني ما زال معقداً، وهذا التحدي بالإمكان أن تفعله المقاومة نفسها ضد الاحتلال.
- في هذا درس، وحيث مثل هذا كان متوقّعاً، فالتراخي في تدبير هذه الأجهزة كان ينذر بمفاجآت من هذا القبيل، لا شيء غريباً فيما وقع، الوعي السيبراني قضية حساسة في الحروب الجديدة، ولا بد قبل إحراز الوعي والخبرة من تجارب مريرة كالذي حدث قبل يومين، إنّ عدو التقنية السيبرانية هو الطبيعة، التقنية تتفوق فقط على التقنية، وتفشل أمام تعقيد تقنية الطبيعة. كلما حافظت المقاومة على قدر من التصالح مع الطبيعة، استطاعت أن تهزم التقنية.
- لن يوقف هذا مسار مقاومة، إنما شغلها ووظيفتها ووعيها موصول بالتّحرر، فالأساليب التقليدية للردع لا تنفع هنا، ستكون هناك ردود لا أحد سيوقفها، سيواصل النتن طيشه العسكرتاري، وسيحصد الكثير من خيبات الأمل، لأنّه لن يستطيع إقناع حليفه الأكبر بخوض حرب شاملة وطويلة الأمد، إنّه تخبّط كيان فقد زمام السيطرة ولم يستطع التكيف مع قواعد الاشتباك الجديدة..
- لا شيء تغير، فالحرب النفسية لم تؤثر في مزاج المقاومة، ولا على هيكلها العسكري والسياسي، بل جريمة كهذه ستكون لا محالة محفزاً أكبر لتأديب الاحتلال، مهما بالغ في تضخيم أهدافه والتلويح بخططه، للمرة الألف نقول: إن الاحتلال والقوة المساندة له يشتغلان وفق قاعدة القصور الذاتي، إنها شاحنة متهالكة في منحدر، بينما المحرك في وضعية وزن ميت (Le point mort)، هذا بتعبير آخر أن عجلات الاحتلال لم تعد موصولة بمحرك، إن الاحتلال يستعجل نهايته، والكيديون سيمسخون حينئذ قردة، حتى أنه يصعب محاكمتهم.