الرعب الكامن في ورقة اختبار  .. اختصاصيون يحذرون من هزات ورضوض عصبية ترافق الامتحانات العامة

تشرين- بشرى سمير:
دموع وبكاء ونحيب وانهيار وحالات إغماء، مشاهد تعودنا على  رؤيتها خلال امتحانات الثانوية العامة، وفي امتحان مادة الرياضيات تحديداً.. قبل أيام تكرر المشهد ذاته، حيث صدم طلاب الثانوية العامة الفرع العلمي بأسئلة مادة الرياضيات التي جاءت خارج التوقعات، وكانت تعجيزية وعصيّة على  الحل، حسب آراء الطلاب.

اختصاصية اجتماعية: تسبب أزمات عصبية ونفسية للطلاب قد تؤدي إلى الانتحار

وهناك من اعتبر فشله في مادة الرياضيات، وكأنه نهاية حياته وحلمه وضياع مستقبله، وكانت هناك حالات إغماء وصدمات عصبية  كبيرة، ومنهم من فقد الرغبة في الاستمرار بالامتحان ويريد الانسحاب على الرغم من وجود دورة تكميلية ثانية، لشعوره بأن طلاب الثانوية مستهدفون وهناك من يريد إفشالهم.
ولكن السؤال: إذا كانت المبررات موجودة لتلك المشاعر، فهل نتركهم نهباً لها، هل نتركهم غارقين في الأوهام بأن أحلامهم قد انهارت وما من سبيل لتحقيقها مرة أخرى؟
تجيب عن هذه الأسئلة الباحثة الاجتماعية سوسن السهلي- ماجستير في علم الاجتماع وخبيرة  تنمية بشرية  في الأونروا، إذ تبيّن: لا شك في أن امتحان الثانويةامتحان الثانوية العامة مرحلة مفصلية في حياة الطالب، لأنها تحدد مساره للمستقبل وتكون البوابة التي من خلالها يحقق حلمه واختيار الاختصاص الذي يرغب بدراسته، وربما يكون هناك نقص درجة أو درجتين تفصل بين الطالب والكلية التي يريد من خلالها تحقيق حلمه، وهذا بلا شك شيء مخيب لآمال أي شخص، وهو أمر طبيعي، لكن لا بد للطالب من عدم السماح لنفسه بالشعور بخيبة الأمل، وعليه فوراً الانتقال إلى الحلول لتجاوز أزمته وعدم جعلها  تؤثر على مستقبله أو حتى  تؤثر على صحته النفسية نتيجة الضغط، وهناك طلاب انتحروا خوفاً من الفشل، وهناك من توفوا على طاولة الدراسة قبيل الامتحان بيوم.

أسباب خارجة عن إرادة الطالب
وتنصح السهلي الطلاب بعدم اعتبار ما حصل في امتحان مادة من المواد على أنه مشكلة في شخصيته، وإنما يتعلق بظروف كثيرة مثل الامتحانات وصعوبتها والطريقة الجديدة لها، وهي ظروف خارجة عن إرادة الطالب، وأنه بذل  قصارى جهده، لكن لم يحالفه الحظ، وتالياً يجب عدم  الاستسلام لـ”الزعل” والإحباط، وأن يدرك أنه سواء رسب أو حصل على مجموع لم يؤهله للكلية التي يرغب بها، يجب  أن يدرك أن النجاح والتفوق ليسا مرهونين باختصاص معين، ويمكن للطالب أن يكون متميزاً في مختلف المجالات وفى أي مجال من مجالات الحياة.

السهلي: أحذر الأهل من السخرية من الطالب.. ومقارنته بأقرانه وعدم إشعاره بأنها نهاية العالم

ولم تنسَ السهلي دور الأسرة  في دعم الطالب، وبعث الطاقة في فكره وإبعاده عن الإحباط وجعله يواجه الواقع، حتى إن كان صعباً، فهو أفضل من تخيل شيء ليس حقيقياً، والخروج من الشعور بالإحباط بأقل خسائر.
وحذرت السهلي الأهل من السخرية من الطالب، وكذلك عدم مقارنته بأقرانه وعدم إشعاره بأنها نهاية العالم، فالدعم النفسي الذي يتلقاه الطالب من أسرته هو أول شيء يبني شخصيته. مضيفة: حتى إذا كانت الأسرة نفسها تشعر بالإحباط والألم، يجب عليها عدم تصدير هذه المشاعر للطالب، بل عليها اقتراح طرق جديدة للمضي قدماً في الدراسة، والبحث عن تخصصات أخرى، ومشاركة الطالب في خطط جديدة ناجحة يكمل بها حياته.

الحسيني: إلى متى سيبقى هذا الأسلوب الترعيبي في تقييم الطلاب؟!

وترى أنه من البدهي أن تعمل الأسرة على  توفير الجو الهادىء للطالب ليفكر في اتجاه جديد، وتشجيعه على التواصل مع الزملاء والأصدقاء وأساتذته ليكتشف طرقاً جديدة باتجاهات جديدة في حياته.

تجنب التفكير فيما مضى
من جانبه، بيّن الدكتور محمد الوني طبيب أمراض نفسية وعصبية، أن الطلاب والأهالي يعيشون حالة من التوتر والترقب لسير امتحانات الثانوية العامة، ولديهم الآمال لحصول الابنة أو الابن على مجموع يؤهله للالتحاق بالكلية التي يحلم بها (سواء الطب، أو الهندسة، أو الصيدلة)، والتي تعده لمستقبل زاهر، غير إنه مع تغيير نظم الامتحانات في الثانوية العامة، وازدياد درجة صعوبتها ومستوى تعقيدها يفشل العديد من الطلاب في الحصول على المجموع الذي يريدونه، وبالتالي ضياع حلم الالتحاق بالكلية التي يستهدفونها، ومن ثم تسود مشاعر الحزن، والضيق، والإحباط، وخيبة الأمل  لدى الطالب، وأسرته، وخاصة بعد فشل الطالب في  تجاوز مادة  أساسية، مثل الرياضيات أو اللغة العربية وكأنها نهاية العالم، ويدخل الطالب  في مرحلة حالة من التوتر، ما يؤثر على نتائجه في بقية المواد، ويكون هاجسه الوحيد هو التقدم للدورة التكميلية مع ما يختلجه من خوف وقلق.

ونصح الدكتور “الوني” الأهالي بعدم  التدخل وترك الطالب يفكر بمستقبله، مع مراقبته من بعيد وتشجيعه على الدراسة والمتابعة، وعدم النظر إلى الخلف وطرد الأفكار السلبية، وتجنب التفكير في الماضي، والبدء في التخطيط للمستقبل الجديد. مع الحرص على  تقديم الدعم النفسي للطالب، وعدم تأنيبه واتهامه بالتقصير ما دام أدى ما هو مطلوب منه، والتأكيد له أنه شخص ناجح، ويستطيع اجتياز تلك السنة العصيبة وهي الثانوية العامة. ويجب النظر إلى نتيجة الثانوية العامة على أنها بمثابة تحليل تشخيصي للكشف عن القدرات، أي إنها وسيلة وليست غاية، وبناء على نتيجة هذا التحليل التشخيصي يتم وصف العلاج المناسب للطالب، أي اختيار المجال المناسب الذي يمكنه أن ينجح فيه.

الوني: يجب النظر إلى نتيجة الثانوية العامة على أنها بمثابة تحليل تشخيصي للكشف عن القدرات أي إنها وسيلة وليست غاية

إذاً الثانوية العامة ليست هي المرحلة النهائية  للنجاح، ولكنها مرحلة تشخيصية،س ولكن النجاح الحقيقي هو الاستثمار الجيد للقدرات واختيار أنسب التخصصات والالتحاق بنوع الدراسة المناسب للقدرات.

أسلوب ترعيبي
من جانبها الموجهة التربوية  سهى الحسيني، أوضحت أن امتحان الثانوية العامة بات مرحلة مفصلية من حياة الآلاف من الطلاب وعائلاتهم من أجل فترة زمنية قصيرة، تقرر حياتهم ومستقبلهم مع يقين الجميع بأن طريقة الامتحانات ليست هي التقييم الحقيقي لمقدرات الطلبة، وليست المؤشر الحقيقي لما يستطيع الطالب أن يقوم به، فكم من طالب كان معدله مقبولاً في الثانوية العامة، لكن لا يؤهله لدراسة الطب، فتوجه للخارج واستطاع أن يدرس الطب والهندسة وبرع في مجالات علمية أساسية ومهمة.
وتساءلت: إلى متى سيبقى هذا الأسلوب الترعيبي في تقييم الطلاب؟ إذ كثيراً ما سمعنا سابقاً عن حالات انتحار نتيجة الخوف أو الإصابة بجلطات دماغية لشباب ما زالوا في مقتبل العمر.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار