لا يعمل على مبدأ “ما يطلبه الجمهور”.. الإعلام الرسمي السوري منظومة وطنية تنموية يتم العمل على تأمين متطلبات كوادرها
تشرين – باسم المحمد:
يجلد الكثير من المواطنين وحتى الإعلاميون “للأسف” الإعلام الرسمي، بمقارنته بصفحات فيسبوك أو غيرها من وسائل الإعلام التي لا تحتوي في معظمها على أدنى مقومات المهنية.. متفلتة من الضوابط بهدف جمع “اللايكات” والابتزاز والتشهير ومن بعدها التسعير..!
إن مجرد مقارنة الإعلام الرسمي في أي دولة مع باقي مكونات المنظومة الإعلامية، يشوبه الكثير من الجهل بأساسيات العمل الإعلامي، لأنه إعلام ناطق باسم الجهة الممولة له وهي الدولة، وتالياً لا يمكنه نشر أي معلومة ما لم تكن مدعمة بالثبوتيات، وفي كثير من الأحيان يخفي أو يتجاهل بعض الحقائق لأن صفته كإعلام رسمي تكبله وتلزمه بمراعاة المصلحة العامة بعيداً عن العلاقات والمصالح الخاصة.
الإعلام الناجح وفقاً لما يطلبه الجمهور هو الذي يرفع “الأدرينالين” في أجساد المتابعين بغض النظر عن آثاره التي قد تكون كارثية اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وحتى أمنياً
ولنا من الأمثلة الكثير في دول العالم وعلى رأسها في العالم العربي، فجميعنا يعرف القنوات الخليجية الخاصة لكنه ربما ينسى وجود قنوات رسمية، لأن الروائز التي تعمل وفقها لا تعجب المتلقين الذين يبحثون عن التشويق والإثارة والتسلية.
أين الرسمي؟
الإعلام الرسمي السوري مدموغ بأنه إعلام عربي قومي تنموي يسير بناء على خطط وتوجيهات الدولة، وهذه ربما إحدى العثرات التي تبعد جمهوره عنه في عصر السوشيال ميديا وفورة الاتصالات التي جعلت السباق بين وسائل الإعلام ينسي الكثير منها توخي الدقة في الكثير من الأحداث المفصلية، فالإعلام الناجح وفقاً لما يطلبه الجمهور هو الذي يرفع “الأدرينالين” في أجساد المتابعين بغض النظر عن آثاره التي قد تكون كارثية اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وحتى أمنياً.. فهل يستطيع إعلام ناطق باسم المؤسسات الرسمية أن يغامر في هذا المجال؟
منذ بداية الحرب على سورية أنتجت آلاف الأخبار والتقارير التي يتم ضخها يومياً عن سورية من مواقع بعضها خارجي مسموم أو داخلي خاص غير مدرك، ويتم تدويرها في الفضاء الأزرق حتى تؤدي غرضها أو تفشل، لكن تبقى وكالات الأنباء العالمية تنتظر التعليقات في وسائل الإعلام الرسمية السورية، فأي معلومة صادرة عنها ستكون موثقة ومؤكدة، وليست مجرد ظاهرة صوتية لخدمة أهداف تتناقض تماماً مع مهمة الإعلام النبيلة.
لكن، هل يقتصر دور الإعلام الرسمي في بلدنا على تسويق وجهة نظر الجهات الحكومية؟
بالطبع لا.. القارىء الحقيقي والمتابع للإعلام الرسمي يمكنه أن يؤكد وجود مواد إعلامية متنوعة فيها الكثير من الإضاءة على النقاط السلبية في أداء الجهات التنفيذية، والنقد لجميع الوزارات والمؤسسات، والتدليل صراحة أو إشارة إلى مكامن الخلل والهدر والفساد، لكن وفق مهنية واحترافية لا تراعيها باقي وسائل الميديا وصفحات الفيس بوك في أغلب الأحيان.
هذا الكلام لخصه وزير الإعلام الدكتور بطرس الحلاق خلال لقاء مفتوح مع المؤسسات الإعلامية خلال الأسبوع الماضي، قائلاً: “عندما نتحدث عن الخلل والأخطاء والثغرات، فهذا لا يعني أن الإعلام السوري غارق بها، أو إنه لا يحقق منتجاً جيداً، بل هو إعلام بمجهود كبير يتم بذله في كل المؤسسات الإعلامية”.
المعوقات
لعل مشكلة التعويضات المالية للإعلاميين هي المنغص الأكبر في وجه تحفيزهم، وهذا ما تم طرحه في جميع اللقاءات الخاصة للحديث عن متاعب المهنة على مختلف المستويات، التي شبهها وزير الإعلام بالدائرة المغلقة، مضيفاً: اليوم المطلوب كسر الدائرة، وإما نبحث عن حلول جزئية، وإما أن نعمل بنيّة جديدة، لافتاً إلى الحاجة لتغيير القوانين التي تحكم الإعلام، وقد تم البدء بتغيير البنية كاملة، ولا نستطيع هنا أن نخرج من بيئة الإعلام بشكل منفصل لأنها جزء من البيئة الحكومية، حيث إن تغيير القانون بحاجة إلى فعل من قبلنا كإعلاميين وتعاون من الآخرين.
الحلاق: عندما نتحدث عن الخلل والأخطاء والثغرات فهذا لا يعني أن الإعلام السوري غارق بها أو إنه لا يحقق منتجاً جيداً
وبين الحلاق أن صورة الإعلام اليوم أنه قطاع خدمي، وهذا أمر خاطئ، ولو كان الإعلام خدمياً في مرحلة ما تطلبت ذلك، لكن الآن هو قطاع اقتصادي استثماري، وليس هناك مشكلة أن يكون إعلاماً خدمياً واستثمارياً في آن معاً.
وقال: قدمنا- بعد جهد – خطة من وزارة الإعلام وأخذنا موافقة مجلس الوزراء وانطلقنا بخطوات لا بأس بها، وعملنا على قانون الإعلام وقانون إحداث وزارة الإعلام، وفي قانون الإحداث كان هناك هامش للوزارة للعمل مع القطاع العام والخاص، وبما يتيح المجال للدخول على خط الإعلام الرقمي والدراما.
على المستوى الإداري تقدمنا لمجلس الوزراء بعدة مشروعات واعدة، كإطلاق الشركة السورية للإعلام، وإحداث منطقة حرة إعلامية، وإحداث شركة تسويق إعلامي لتنشيط عمل المؤسسة العربية للإعلان وإعطائها صيغة استثمارية وكذلك «نظام الكابل».
وعلى مستوى تنمية القدرات، عدلنا قانون المعهد التقاني، ليتحول لمعهد تقاني إعلامي وسيتم قريباً تخريج 150 طالباً وطالبة.
كما نعمل على تطوير عمل معهد الإعداد الإعلامي.. ونحن نطمح للعمل بالقطاع المشترك، فالتشاركية في العمل الإعلامي أمر جيد، واليوم الشيء الجديد صدور القانون «رقم 3 »، ونحن قادرون وفق القانون على إقامة شراكات مختلفة بنّاءة.. فالتشاركية في العمل الإعلامي أمر جيد.
يظهر الملامح
إنّ التعويل على المؤسسات الإعلامية يتطلب إصلاحاً خاصة بعد التغييرات القاهرة التي نالتها، فالإعلام الذي يملك تكنولوجيا أرقى وأفضل فعالية يمتلك الرسالة القادرة على الوصول أكثر.
يجب أن نمتلك منظومة متكاملة لجميع مؤسسات الدولة في إطار هذا الفضاء الجديد تحمل محتوى حقيقياً يضمن المصداقية في وجه الأخبار الكاذبة
تأثير الإعلام في بناء الهوية من جهة وبالرأي العام من جهة ثانية يضعنا أمام التساؤل عمن يقوم بهذا الدور؛ المؤسسات الوطنية القائمة المسؤولة عن الكلمة وعن المعلومة، أم الإعلام الجديد السريع والمتاح والرشيق منخفض التكلفة؟
نحن أمام مشكلة كبيرة فيما يخص الهوية.. فالإعلام لا يصنع بل يظهر ملامح ونماذج وقيماً وأخلاقيات، بينما تتسبب الميديا الجديدة بتحولات قاهرة على مستوى الوعي والنظرة للمستقبل والتراث والحياة..
وهذا ما يوجب علينا ضم الإعلام الجديد إلى المنظومة الإعلامية وإخضاعه لنهج ورؤى وسياسات من دون حجب الرأي الآخر، عبر أدوات تتماهى مع رغبات المتلقي في مضمار الإعلام الجديد، ذلك في مواجهة الضخ الكثيف والسريع والمنظم والممنهج القادم من صفحات خارجية مجهولة، أي بلورة منظومة فاعلة قوية على الصعيدين التقليدي والإعلام الجديد وصنع سياسات تتماشى مع الهدف الوطني السامي من تعزيز الهوية الوطنية والانتماء.
ثقة المواطن بالمؤسسة الإعلامية تتطلب إنجازاً إيجابياً يبرهن عبر مجموع ما تنشره بأن هذه الدولة الوطنية مازلت وطنية، تقوم بمهامها بشكل متكامل، فالإعلام الفاعل يجب أن يحظى بقناعة المسؤول ذاته في ظلّ ما نعيشه من صعوبات معيشية، و يتطلب حضوره في جميع وسائل الإعلام، فيما يتكفل الإعلامي بصناعة المحتوى وإيصال الرسالة من المادة الخام.
منظومة متكاملة
يجب أن نمتلك منظومة متكاملة لجميع مؤسسات الدولة في إطار هذا الفضاء الجديد، تحمل محتوى حقيقياً يضمن المصداقية في وجه الأخبار الكاذبة، حيث إن الإعلام التقليدي ليس بقادر اليوم على مواجهة ما يتلقاه من إعلام ممول من الخارج لذا يجب النهوض به ودعمه مادياً وتقنياً وصناعة الكوادر الوطنية صاحبة الانتماء والمهارة والقدرة على الإقناع بعد تسرب كوادرنا، وذلك عبر جذب المتلقي، من خلال الوقوف على هموم ومشاكل الناس.. وهذا ربما ما ستتيحه الوجهة التشاركية مع الخاص التي ستنتج تغييراً عميقاً في بنية وبيئة العمل الإعلامي.. والمعطيات الأولية مبشّرة على كل حال.