نقلة أميركية كاملة.. ما الذي تحضّره واشنطن لغزة ورفح؟.. مصر مستهدفة وموقف ملغوم لإدارة بايدن من «الدولة الفلسطينية».. جباليا تعمّق أزمات الكيان السياسية والعسكرية
تشرين – مها سلطان:
من أقصى الرفض للهجوم الإسرائيلي على رفح الذي وصل إلى حد التهديد بفرض عقوبات على الكيان الإسرائيلي «عسكرية خصوصاً» عدا التصريحات الحادة جداً التي توالى المسؤولون الأميركيون، وعلى رأسهم جو بايدن، على إطلاقها في سبيل منع الكيان من مهاجمة رفح «كما بدا ظاهرياً على الأقل».. إلى أقصى القبول بهذا الهجوم الذي وصل إلى حد الدفاع عنه واعتبار أن الكيان وضع ما يكفي من «الخطط المُحسنة» في سبيل «تقليل الضرر على المدنيين في رفح».. إلى دعوة مصر أن تكون طرفاً أكثر تعاوناً في مسألة تدفق المساعدات.. وصولاً إلى تصريح بايدن مؤخراً بأنه «لا يرى جريمة إبادة» يرتكبها الكيان الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في القطاع.
يبدو أن هناك توجهات أميركية جديدة فيما يخص الحرب على غزة ومن ضمنها رفح ومعبرها والدور المصري والمساعي المستمرة لإدخال أطراف أخرى لمصلحة «إسرائيل»
هذه النقلة الأميركية الكاملة وخلال أيام قليلة جداً.. إما إنها عودة إلى الموقف الأميركي الأساسي باعتبار أن إدارة بايدن شريكة منذ البداية في الحرب وفي جريمة الإبادة التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي ضد أهل القطاع «وهو موقف لم يتغير وإن كانت جرت التعمية عليه بصورة مُخطط لها مسبقاً عبر إطلاق التصريحات ضد الكيان وحربه»، ولا تخفى هنا المساعي الأميركية للاستثمار في هذه الحرب إقليمياً.
.. وإما أن الإدارة الأميركية فشلت كلياً في إقناع الكيان بتعديل مسارات الحرب والجنوح باتجاه «تهدئة» تراها واشنطن ضرورية لاحتواء التداعيات الإقليمية ولاستكمال مسار التطبيع وبما يقطع الطريق على الخصوم والمنافسين.
مساعٍ أميركية لـ«كفّ يد مصر» فيما يخص معبر رفح بزعم أنها طرف مُعرقل وصولاً إلى تسليمه لـ«طرف ثالث» يضمن سيطرة إسرائيلية كاملة على المعبر بجانبيه
.. وإما أن الإدارة الأميركية لا بد أن تعود إلى مواقفها السابقة في ظل تطورين خطرين على الكيان الإسرائيلي، الأول مذكرات الاعتقال التي تتجه المحكمة الجنائية الدولية لإصدارها ضد متزعم حكومة الكيان بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت، والثاني اعتراف ثلاث دول أوروبية بالدولة الفلسطينية «إسبانيا والنرويج وإيرلندا» لتفتح الطريق مجدداً باتجاه المزيد من الاعترافات وبما يدعم مسار تحقيق الدولة الفلسطينية التي يعلن الكيان رفضه لها بالمطلق.
«وهناك من يقول: إن هذه الاعترافات هي بتنسيق أميركي من أجل الضغط على الكيان للجنوح باتجاه قبول هذا المسار وبدء مفاوضات حول ذلك، علماً أنه في حال كان ذلك صحيحاً فمن غير المعروف ما إذا كانت الدولة الفلسطينية التي تقول واشنطن إنها تسعى إلى إقامتها هي على أراضي فلسطين التاريخية أم على أراض أخرى.. وفي حال كان ذلك صحيحاً لم تكن واشنطن لتندد باعتراف الدول الثلاث بالدولة الفلسطينية، معتبرة أنها تضر ولا تنفع، ولم تكن لتستخدم الفيتو ضد مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي (الشهر الماضي) للاعتراف بدولة فلسطينية قائلة: إن الاعتراف لا يمكن أن يأتي إلا من خلال مفاوضات تأخذ في الاعتبار المصالح الأمنية الإسرائيلية.. وعليه فإن واشنطن إذا كانت تدعم تحقيق الدولة الفلسطينية والأخذ بالاعتبار مصالح إسرائيل الأمنية فهي تدعمها خارج فلسطين وما تفعله حالياً هو استمرار للمخططات الأميركية في إقناع الدولة المعنية بإقامة دولة خارج فلسطين التاريخية، وترى أن مسار التطبيع أمر في غاية الأهمية، لذلك كانت تحاول طوال الأشهر الماضية إقناع الكيان بتعديل مسار الحرب باتجاه إغلاق جبهة غزة مقابل اكتمال مسار التطبيع خصوصاً في محطته الأهم، السعودية».
نقلة أميركية.. مصر ورفح
هذه النقلة الأميركية ستستمر وفق ما تظهره تصريحات المسؤولين الأميركيين وبما يبدو معه أن هناك توجهات أميركية جديدة فيما يخص الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ومن ضمنها الهجوم الإسرائيلي على رفح ومعبرها.. وصولاً إلى الدور المصري فيما يخص معبر رفح «صلاح الدين/فيلادلفيا» أو ما يخص الوساطة في مفاوضات الهدنة والتبادل، أو ما يخص جبهة غزة.
مصر توضح مرة بعد أخرى ملابسات إدخال المساعدات عبر معبر رفح وأن السماح بذلك يعني قبولها بالوجود العسكري الإسرائيلي في المعبر وبما يخالف «كامب ديفيد»
وكانت صحيفة «بوليتيكو» الأميركية قد كشفت اليوم نقلاً عن مصادر- قدمتها على أنها رفيعة المستوى- أن إدارة بايدن تتفاوض على نقل معبر رفح إلى سيطرة الاتحاد الأوروبي، وبما يسهم في إعادة فتحه والسيطرة عليه. وقالت الصحيفة: يعمل مسؤولون أميركيون من وراء الكواليس منذ أسابيع، ويتوسطون في محادثات بين الكيان الإسرائيلي ومصر للتوصل إلى اتفاق من شأنه أن يُولي المنظمة الأوروبية (EUBAM Rafah) مسؤولية المعبر، وهذه المنظمة هي بعثة الاتحاد الأوروبي للمساعدة الحدودية في رفح، وكانت تعمل في قطاع غزة قبل أن تعلق نشاطاتها عام 2007.
وحسب «بوليتيكو» فإن الجانب المصري أكد خلال المحادثات رغبته بأن يدير المعبر سكان غزة، بينما تقترح واشنطن إشراك طرف ثالث محايد للسيطرة على المعبر، وينبغي أن يكون هذا الطرف هو البعثة الأوروبية آنفة الذكر.
ونقلت «بوليتيكو» عن أحد المصادر أنه إذا وافق الكيان على المقترح الأميركي فمن الممكن فتح معبر رفح خلال الأسابيع القليلة المقبلة. وكان الجيش الإسرائيلي قد أغلق المعبر في 7 أيار الجاري في إطار الهجوم الذي يشنه على مدينة رفح جنوب قطاع غزة.
تعمية وتحريف
وأدى هذا الإغلاق والانتشار العسكري الإسرائيلي في المعبر إلى اتساع الأزمة بين مصر والكيان بصورة حادة وخطرة، بينما تعمل واشنطن على حرف الأنظار وتحريف الوقائع باتجاه «التأثير في المساعدات الإنسانية» التي توقفت بفعل إغلاق المعبر، وليس باتجاه أن الكيان الإسرائيلي يفعل كل ما من شأنه تأزيم الموقف مع مصر، خصوصاً على المستوى الأمني، وبما يجعل المخاوف من انفجار جبهة غزة بتداعيات إقليمية أوسع وأخطر.. يجعلها قائمة على الدوام.
الجانب المصري لا يخفي غضبه ويرد على المزاعم الأميركية والإسرائيلية حيال مسؤولية مصر عن توقف المساعدات بالتوضيح مرة بعد أخرى أن مصر لا تستطيع إدخال المساعدات عبر معبر رفح لأن ذلك يعني قبولها بالوجود العسكري الإسرائيلي في المعبر«وبما يخالف ترتيبات كامب ديفيد».
يأتي ذلك رداً على دعوة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أمس للجانب المصري لبذل كل ما في وسعه لضمان تدفق المساعدات، متجاهلاً التوضيحات المصرية حول ذلك، وقال في جلسة استماع أمام مجلس النواب الأميركي: نحث بقوة شركاءنا المصريين على بذل كل ما في وسعهم للتأكد من تدفق المساعدات.
ودافعت إدارة بايدن عن العملية الإسرائيلية في رفح، معتبرة أنها «محدودة وأكثر استهدافاً»، وقال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إنه أبلغ وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت في اتصال هاتفي أمس «بالحاجة إلى آلية فاعلة لفض التشابك بين العمليات الإنسانية والعسكرية في غزة».
فيما اعتبر مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان أن «إسرائيل» أطلعته على «خططها المُحسنة للحد من الضرر على المدنيين في رفح»، وذلك خلال زيارته لها يومي الأحد والإثنين الماضيين، وأضاف في تصريحات للصحفيين: ما رأيناه حتى الآن فيما يتعلق بالعمليات العسكرية الإسرائيلية أنها كانت محدودة وأكثر استهدافاً، ولم تتضمن عمليات كبيرة في قلب المناطق المزحمة.
هل من قطبة أميركية مخفية في مسألة الاعترافات الأوروبية بالدولة الفلسطينية؟.. وكيف ستدير واشنطن نيابة عن «إسرائيل» معركة «الجنائية الدولية»؟
بدوره أشار بلينكن إلى أن العملية الإسرائيلية في رفح هدفها السيطرة على المنطقة الحدودية أو على الأقل أجزاء منها «أي بين مصر وغزة» بهدف إيقاف عمليات التهريب «في إشارة إلى تهريب الأسلحة عبر الأنفاق».
الاعترافات بفلسطين
وفيما يخص مسار الاعتراف بالدولة الفلسطينية، أعلنت إدارة بايدن أنها تعارض «الاعتراف الأحادي الجانب»، في إشارة إلى اعتراف كل من إيرلندا والنرويج وإسبانيا بالدولة الفلسطينية أمس.
وقال سوليفان: إن بايدن «يؤيد علناً حل الدولتين»، لكنه يؤكد في الوقت نفسه، وعلناً، أن ذلك يجب أن يتم بالمفاوضات المباشرة بين الطرفين وليس بالاعترافات الأحادية، لكن المراقبين أشاروا إلى أن سوليفان لم ينتقد بشكل مباشر اعتراف الدول الثلاث، وكلها مقربة من الولايات المتحدة، حيث أضاف: لكل دولة الحق في اتخاذ قراراتها، لكن موقف الولايات المتحدة في هذا الشأن واضح.
يأتي ذلك فيما تستمر حالة الاستنفار و«الغضب» داخل الكيان الإسرائيلي لمواجهة احتمال إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال رسمية بحق نتنياهو وغالانت، خصوصاً أن هذا المسار يتخذ تأييداً دولياً يتسع، بينما كانت النرويج قد أعلنت صراحة أمس أنها ستعتقل نتنياهو وغالانت إذا زارا أراضيها في حال صدور هذه المذكرات، داعية كل الدول الموقعة على ميثاق المحكمة للحذو حذوها.
«جباليا» توسع استنزاف الكيان
في الأثناء، ما زالت الحرب على غزة تشعل نيران الأزمات داخل الكيان بمستوييه العسكري والسياسي، وهو ما تعكسه بصورة مباشرة وموسعة وسائل الإعلام الإسرائيلية.
وحسب «القناة 13» فإن خلافات كبيرة نشبت أمس داخل لجنة الخارجية والأمن في «الكنيست»، دفعت تساحي هنغبي «مستشار الأمن القومي الإسرائيلي» إلى التصريح بأن الحرب لم تحقق أياً من أهدافها.
وأشار إلى أن «إسرائيل» لم تنجح حتى الآن في إسقاط حركة حماس أو وضع شروط معينة لصفقة التبادل، وتعجز عن تأمين عودة المستوطنين إلى غلاف غزة.
وفيما يخص ميدان غزة كشفت «القناة 14» أن القتال في مدينة جباليا شمال قطاع غزة يكلف «إسرائيل» الكثير من القتلى والجرحى في صفوف الجيش الإسرائيلي. وقالت في تقرير: في الوقت الذي لا أحد يلوم أحد القيادة السياسية بشأن الحرب، فإن المعارك في جباليا تكلفنا الكثير من القتلى والجرحى، موضحة أن المعارك الدائرة في مدينة بيت حانون والمناطق الشمالية لقطاع غزة مستمرة بصورة يومية وتسجل أيضاً سقوط المزيد من القتلى والجرحى.
وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن أمس الأربعاء مقتل ضابطين وجندي في معارك في جباليا لترتفع حصيلة قتلاه إلى ما يقارب الـ700 منذ عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول الماضي.