آثار العقوبات القسرية على سورية في تقرير لـ “إسكوا”
تشرين- د. منذر أحمد:
لا شك في أن الحرب التي استهدفت سورية على مدار ثلاثة عشر عاماً لم تكن الوحيدة التي أثرت في مقدرات البلاد واقتصادها وبنيتها، إذ إن العقوبات القسرية أحادية الجانب التي فرضها الغرب على البلاد قد عملت عملها في إضعافها، وهذا الكلام تؤكده الأمم المتحدة مراراً عبر تقارير عبّرت فيها غير مرة عن تأثير هذه العقوبات على الشعب السوري بالدرجة الأولى، ولكن تقاريرها بقيت مجرد تقارير وكلام لم يلقَ أي صدى.
وفي هذا الصدد، أصدرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصاديّة والاجتماعيّة لغربي آسيا “إسكوا” تقريراً تحت عنوان: “الديناميات والآثار غير المتعمّدة للتدابير القسرية الانفرادية ضد الجمهورية العربية السورية”، سلطت فيه الضوء على تأثير هذه العقوبات على جوانب مختلفة من حياة الناس في سورية، وشرح التقرير التدابير القسرية الانفرادية المفروضة على الجمهورية العربية السورية، وهي تلك الإجراءات والعقوبات التي فرضها الغرب في عام 2011، وذكر أن هذه التدابير والعقوبات هي الأكثر صرامة وتعقيداً في التاريخ الحديث، وأنها قد أضيفت إلى سلسلة عقوبات سابقة فرضتها الولايات المتحدة على الجمهورية العربية السورية منذ عام 1979، ثم أضيفت إليها عقوبات أخرى، ففي عام 2019 اعتمد قانون قيصر، ودخل حيز التنفيذ في عام 2020.
التقرير ذكر أنه بعد مرور أكثر من اثني عشر عاماً على الحرب، لا تزال البلاد تواجه العديد من المشكلات المترابطة في ظل أزمة اجتماعية واقتصادية متفاقمة، وأن حاجة السكان قد تزايدت إلى المساعدة الإنسانية، ويظهر بشكل واضح نقص حاد في تمويل المساعدات الإنسانية في البلاد، وأضاف إن الأمم المتحدة لم تتلقَ من المانحين في عام 2022 سوى 37 في المئة من التمويل السنوي المطلوب.
ويقدم التقرير نظرة تفصيلية حول تأثير هذه التدابير في حياة السوريين العاديين، ولا سيّما وصولهم إلى القطاعات الأساسية مثل: الرعاية الصحية، والتعليم، والأمن الغذائي، والمياه والصرف الصحي والصحة، والزراعة، والمساعدات الإنسانية.
واعتمد التقرير على استطلاع آراء 1187 سورياً من أنحاء البلاد كلها، وتكشف نتائجه أن 66% من المشاركين في الاستطلاع من جميع أنحاء سورية قد أعربوا عن عدم تأييدهم للعقوبات، وتحدثوا عن آثارها المعاكسة على حياتهم اليوميّة بغض النظر عن الجنس، أو التعليم، أو العمر، أو المنطقة، وأكد أن 92% ممن شملهم الاستطلاع قالوا إن سبل عيشهم تأثرت بسبب العقوبات، وأشار المستطلعة آراؤهم كذلك إلى أن لارتفاع أسعار السلع وانخفاض قيمة العملة ونقص الطاقة والتكاليف العالية بتأثير العقوبات تداعيات اجتماعية خطرة، إذ إن هناك صعوبة في الوصول إلى منتجات محددة وصعوبات في التحويلات المالية وارتفاع الرسوم المرتبطة بهذه المعاملات وصعوبات في النقل.
وخلص المشاركون في الاستطلاع إلى أن العقوبات المفروضة على الجمهورية العربية السورية تلحق الضرر بهم بشكل غير متناسب وهي تؤثر في حياتهم، وتعطل توفير الخدمات الاجتماعية الأساسية والمساعدات الإنسانية، ما يحد بشكل مباشر الوصول إلى الإمدادات الطبية والصحية والمياه والصرف الصحي واستيراد المعدات والمواد التعليمية وغير ذلك من خدمات.
ويؤثّر نقص بعض السلع أو عدم توافرها في البلاد بشكل مباشر على الخدمات الأساسية وتوافر المدخلات اللازمة لسبل عيش الناس وتكلفتها.
التقرير أورد نتائج نهائية وتوصيات، ودعا إلى بذل الجهود للحدّ من الامتثال المفرط والآثار القاسية المرتبطة بهذه التدابير، وشدد على أهمية الحوار المستمر مع أصحاب المصلحة المعنيين، بما في ذلك المنظمات الإنسانية، لمعالجة ما سمّاها “التداعيات غير المتعمدة للعقوبات”، وتسهيل المعاملات والأنشطة المتعلقة بالتعافي من أجل بناء القدرة على الصمود وجهود الاستقرار الفعالة، وبالتالي تعزيز سبل العيش المستدامة.
كما دعا إلى توفير ضوابط ومعلومات واضحة عن التجارة المسموح بها وإجراءات العمليات الإنسانية السلسة، فضلاً عن ضمان الوصول إلى المساعدة أو الخدمات القانونية، والجدير بالذكر أن التداعيات غير المتعمدة للعقوبات هي الآثار التي لم ترد ضمن أهداف الإجراءات حين اعتمد قانونها.
يذكر أن “الإسكو”ا هي إحدى اللجان الإقليمية الخمس التابعة للأمم المتحدة، تعمل على دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة والمستدامة في الدول العربية، وعلى تعزيز التكامل الإقليمي.