خدمـة الدفع الإلكتروني.. الخطة القادمة نحو دفع عجلة الاقتصاد مجدداً.. الرفاهية الضريبية تعني أيضاً رفاهية المواطن

تشرين – حيدرة سلامي:
باتت خدمة الدفع الإلكتروني حجر الزاوية، في النظام العالمي القادم في إدارة العقد الخدمي، بين الدول والمواطنين، حيث إن أي منظومة إدارية أو تجارية، لا بد أن تستند على قاعدة مادية من المال، تكون قادرة على حمل أعباء المنظومات الإدارية والتجارية القائمة داخل الدولة، وإمدادها بالتمويل المرن المدروس، القادر على مواجهة التغييرات السياسية والاقتصادية العالمية، أي إنها أسلوب إدارة آلي،وشبكة مالية حية على الحاسوب، تقوم على دراسة متطلبات العمل الإداري والتمويل العام اللازم لها، وتصنع التوازن بين هذه النفقات والإيرادات، وتمكن المنظومة الحكومية من إدارة المدخلات والمخرجات المالية لدوائرها، بحيث تتجنب الوصول إلى مرحلة إقلاق الوعي الضريبي للمواطن، ويمكننا القول عموماً، إن نظام الدفع الالكتروني، لن يكون مجرد وسيلة أخرى للدفع المالي مقابل الخدمة، بل سيكون شبكة مالية ذكية، قادرة على إتمام عمليات المقاصة، بين الدخل والناتج والضريبة، وتقديم الخدمة في أن معا.

أشكال خدمة الدفع الالكتروني
تشمل هذه الخدمة جميع أشكال الدفع المالي عبر الشابكة، سواءً اعتمدنا نظام بطاقات الدفع المصرفي، أم اعتمدنا نظام المقاصة الإلكتروني بين البنوك، من تسديد المستحقات المترتبة على الخدمات إلكترونياً من أي مكان وفي أي وقت، من خلال عدة خيارات متاحة، وتعتبر بوابة الدفع الإلكتروني، إحدى القنوات الإلكترونية المبتكرة لتوفير وقت وجهد العميل، وتمتاز بعدة ميزات على النمط التقليدي في التحصيل، سيما خاصية الخصم المباشر من الحساب المصرفي عبر البنوك للشركات والمؤسسات الصناعية والأفراد.

شبكة مالية ذكية تقوم بإتمام عمليات المقاصة بين الدخل والناتج والضريبة وتقديم الخدمة في آن معاً

وتعتبر هذه المنظومة أداة تختصر الوقت والجهد في دراسة الخطة المالية والتزويد الرجعي بالمعلومات، على المراجعين والجباة، أي أنه تقوم بتغطية أعمال المحاسبة المالية بشكل جزئي بسيط لكن تنجز المطلوب.

وتعنى منظومة الدفع الالكتروني بمفهومها العملي، دراسة العناصر المحيطة في عملية حساب نفقات الخدمة، كالعنصر الزمني والجغرافي في الخطة المالية، وهي ترمي في ذلك إلى إيجاد التوازن النقدي، بين التمويل الضريبي، والإنفاق العام، و من ثم تقديم الخدمة، أي أنها ستكون البوصلة المالية في السير نحو تطبيق الحوكمة الإلكترونية في بلادنا، حيث سينتهي نظام الأرشيف الورقي البسيط القائم على ترقيم وتسلسل المعاملات الورقية ضمن الدائرة، وستكون الدائرة قادرة وبكل شفافية على تزويد الحكومة، بفواتير المعاملات في وقتها، دون أن تتدخل العناصر الخارجية وتؤثر على الحصيلة الضريبية، وذلك ما نسميه
بالتغذية الراجعة “Feedback”، والتي تعتبر أحد أكثر السمات تميزاً في منظومة العمل الإلكترونية، حيث لا يقتصر مجال الدفع الإلكتروني فقط، على تأمين بوابة يتم الدفع من خلالها، بل تتخطى هذه الخدمة نحو تزويد أطراف عقد الخدمة، أي الحكومة والمواطنين، بالمعلومات الرجعية فواتيرهم وما سيترتب عليها من خدمات والتزامات لاحقاً، كما تعرض عليهم الخطط المالية المناسبة في تلقي الخدمة أو تقنينها، بناءً على مبدأ الوفرة المالية للمشترك، و من ثم تضعهم هذه المنظومة في الخطة المالية السنوية والخمسية، أي قصيرة المدى ومتوسطة المدى، وهو إحدى الحلول التي أتاحتها لنا اليوم النظم الخبيرة وشبكات البنوك الحديثة، في منظومة الجيل الخامس، الأمر الذي سيساهم في استقرار القاعدة المالية، في ظل هذه الضغوط الخارجية والداخلية على الاقتصاد السوري.

السطوع العالي
أما عن الأخطار التي تواجه منظومة العمل الإلكترونية الجديدة، في تغيير البنية التقليدية للتشريع الضريبي السوري، فيمكننا أن نذكر عموماً، بعض الآثار التي نتجت عن تطبيق المنظومة الإدارية التقليدية، وأولها السطوع العالي للانعكاس الضريبي، ونخص هنا بذكر تأثير هذا التأثير، على أداء القطاعات الحكومية، التي تعنى بتأمين الخدمات الإدارية والاستهلاكية، لأنها تكون المعنية غالباً في مقياس مؤشر الوعي الضريبي عند المكلفين الصغار.
في الاقتصاد عادة، يكون الانعكاس الضريبي أو عبء الضريبة هو التأثير السلبي لضريبة معينة، كضريبة الدخل أو القيمة المضافة، على الحالة المعيشية للمواطنين، أو الانعكاس الحاصل على رفاهية المجتمع، أي أنه أحد العناصر الذي يجب أن يتم أخذها بعين الاعتبار، عند قياس ضغط الوعي الضريبي للمواطن، أو إحساس المواطن بثقل الضريبة على دخله.
ومن المقاييس المتبعة في دراسة الوعي الضريبي على حالة المواطن، نذكر حالات يكون فيها هذا الانعكاس شديد السطوع، كمجتمع أوروبا الذي يفرض ضرائب مرتفعة في سبيل تحقيق رفاهية وخدمات ممتازة، وهنا يكون للانعكاس الضريبي وجهان، وجه مظلم على الضريبة المرتفعة، ووجه متفائل على مستوى الخدمة.
فيمكن قياس الوعي الضريبي ببساطة، وشفافية، على مستوى القطاع الخدمي والاستهلاكي.
أما في الدول النامية كبلادنا، فالضرائب تفرض بأسعار رمزية على الخدمات، في سبيل تطبيق نظام الدعم الشعبي.
وفي المقابل فهذه الضرائب لا تعتبر حقيقية، وينجم عنها بالمحصلة، انعكاس ضريبي مزدوج التأثير، فالدول النامية التي تطبق هذه النظرية البسيطة، في تحصيل الضرائب والفواتير الرمزية، تعاني من تفاقم النفقات، حيث أن ما لا توجهه في الإنفاق العام من الحاصل الضريبي، تتعرض له لاحقاً في إيجاد التمويل لتغطية متطلبات عمل الدوائر، من طاقة ومتطلبات عمل وأجهزة وصيانة وغيرها…
بشكل عام، فإن الاقتصاديين دائماً ما يحذرون من تهرب الكيانات المكلفة بالضرائب، وبين من يتحمل عنها هذه الضرائب بشكل فعلي وواقعي، فيعتقد بعض الاقتصاديين أن العامل يتحمل عبء الضريبة بالكامل تقريباً لأن صاحب العمل يمرر الضريبة على شكل أجر أقل.
فرغم أن الانعكاس الضريبي، يكون خفياً على عمل المرافق العامة، ولا يظهر التحسن الواضح في تقدم أداءها، فإن انعكاسه الآخر، على المواطن شديد السطوع، الذي بات يعتبر كل ارتفاع في الأسعار والخدمات، عبئاً ضريبياً، مع أنه من ناحية تقنين الضريبة منخفض ورمزي، بينما الارتفاع الحقيقي هو في النفقات التي تقع على الجهة الإدارية، التي لا تختص الضرائب بتقليل عبئها، بل إن ذلك قد أوجد عند المواطن ازدواجاً في معرفة مفهوم الضريبة، وصار يتعرف على أي زيادة في سعر الخدمة، على أنها ضريبة غير معلن عنها، ما يعد أحد أخطر المسائل التي يمكن أن تنشأ، في الوعي الضريبي عند المواطن، سيما في عمل قطاعين أساسين كالخدمات والاستهلاك.

التهرب الضريبي
أما الأمر الثاني فهو التهرب الضريبي والاقتصاد الرمادي، فبالنسبة للقطاعات الصناعية والتجارية والتي تعتبر القاعدة الاقتصادية المعتمدة، فلا يمكننا أن نتخذ المعيار السابق في حساب تأثير الانعكاس الضريبي على عملها، وذلك لأنها لا تخدم مصالح أفراد فحسب بل ومؤسسات وجهات حكومية أيضاً، حيث تعتبر الدولة الخاسرة الأكبر، في هذا التهرب، وذلك لأن الاختلال أو الحصول على بيانات مالية مختلفة عن الواقع العملي، يؤدي في معظم الأحوال، إلى تراكم النفقات على الحكومة، وإلى ازدياد هذه النفقات مع تدخل عامل الوقت، وازدياد الضغط على الجهات الحكومية لتغطية نفقات هذه الشركات، وعقودها مع الدولة.
و يحتمي تحت هذه المظلة عدد من الشركات الكبرى، فمن الأعراف السوقية التي يستعملها المتهربون عادة، أنهم يلجؤون إلى التضخم للتهرب من التحصيل الضريبي، وذلك لأن مرونة قوانين السوق في العرض والطلب من الصعب إخضاعها للنظام التخمين في الضرائب.

تختصر الوقت والجهد على المراجعين والجباة وتغطي أعمال المحاسبة المالية بشكل جزئي بسيط

كما كان ذلك أحد الأسباب التي صنعت الخلل في سلسلة الإمداد والتوريد المحلية، ما كلف الحكومة عبئاً مضاعفاً في مراحل لاحقة، في محاولة إعادة اللحاق بالخطط المالية الطويلة المدى، فبات واضحاً في الوقت الحالي، أنه لا مجال لوضع أي خطة على مدى العشر سنين القادمة، دون تفعيل المنظومة المالية في تحصيل الضرائب بشكل فعال.
وبالنسبة لهؤلاء المكلفين، فهم من يمكن أن تتم إدانتهم، بجريمة التهرب الضريبي، فهذه الجريمة لا تنطبق بالمفهوم الضار للمجتمع، إلا من خلال تهرب هؤلاء المكلفين، حيث أن كمية الأموال والسلع والخدمات، وغيرها، مما يقدمه هولاء المكلفون، هي التي تعتبر المحرك الأساسي لعجلة الاقتصاد الوطنية، و غالباً ما تعتمد هذه المنشآت والجهات على بيانات وهمية و كاذبة عن المدخلات والمخرجات المالية الحقيقية، بهدف التقليل من الضريبة المفروضة على أعمالها، وهنا تكمن الخطورة، حيث أن تشويه هذه التقارير المالية يحمل ضرراً على المجتمع، يتجاوز في آثاره مجرد التهرب من الضرائب، لدخول هذه الأموال حيز الإقتصاد الرمادي “الظل”، والاقتصاد الرمادي هو مجموعة الأنشطة الاقتصادية التي تحدث خارج مجال الاقتصاد الرسمي، وإن كانت قانونية، نظراً لأن هذه الأنشطة لا يتم إبلاغ الحكومة عنها وعدم دفع أي ضرائب او رسوم عنها أو حتى جزء منها ولا يتم إدراجها في تقييمات الناتج المحلي الإجمالي، ما يجعل هذه الأموال عرضة لدخول الأنشطة الجرمية، في ظل اختفاء الرقابة الرسمية عليها، ما يعتبر بيئة مناسبة لظهور أشكال الجريمة المنظمة، سيما إن كان هامش هذا التهرب كبيراً.
بل تعتبر هذه الهوامش الرمادية، أشد خطراً من ظاهرة غسيل الأموال على الاقتصاد الداخلي.

التحصيل البطيء

والخطر الثالث هو تعقيد العمل في الدوائر المالية والتحصيل البطيء، فأحد الأسباب التي جعلت نظام الدفع التقليدي، أحد أسباب التهرب الضريبي، هو ربط التحصيل الضريبي بالروتين الإداري، وإخضاعه لمنظومة الأرشفة، سيما في يعطيه من وقت مرن، في حساب القمة الضريبية على المشاريع الصخمة، حيث تمر الجباية هنا على عدة مراحل وعدة دوائر، في سلسلة إدارية طويلة، تقبل احتمال الخطأ والاعتراض بشكل كبير، وقد أعطى التضخم النقدي المكلفين، الكثير من الراحة في سداد ضرائبهم، بما لم يكن يعادل شيئاً بالنسبة إلى أرباحهم الحقيقية، بينما تعرضت الدولة إلى الضرر التام جراء هذا التقلب، حيث أن الدوائر لا تقبل أتمتة العمل بحيث تتمكن من تعديل المدفوعات المطلوبة، لضمان سير المدفوعات ضمن الخطة المالية القائمة، ومنع التهرب الضريبي، من خلال العزف على وتر التضخم، فالإدارات غالباً مقيدة بنظامها الداخلي ولوائحها الإدارية التي تتطلب عدم القيام بأي إجراء مالي أو قانوني، دون إصدار لائحة تلغيها أو تعدلها، تكون من مرجع أعلى أو تساوي المرجع الأساسي، وهذا هو أحد عيوب نظام الأرشفة، والثغرة التي تظهر في قصور هذه الدراسة، تكمن في أن الأموال بحاجة إلى سرعة في التحصيل الضريبي، أسوة في تحصيل الديون في القانون التجاري وإخضاعها للمنظومة الإدارية لأي مؤسسة حكومية، تمارس عمل التحصيل الضريبي، كخدمة وليس كاستثمار لصالح الدولة، سوف تؤدي بالمحصلة، إلى إحداث خلل في التمويل العام، وسترهق جميع القطاعات الأخرى التي لم تحصل على التمويل الضريبي ضمن الخطة الزمنية المحددة.

حلول ممكنة
اليوم وبالاعتماد على التقنية الحديثة سيتوفر، الكثير من الحلول المبدئية، للخروج من هذه الإشكالات القانونية والتقنية التي ذكرنا بعضها سابقاً، ففي مكافحة الانعكاس الضريبي، يعتبر أحد أبسط العناصر المطلوب تأمينها حيث أن له آثار فورية ومباشرة، والانعكاس الضريبي في هذا المنوال يكون في أوضح صوره، حيث أن المواطن ينظر وبأثر مباشر إلى قيمة مدفوعاته، والحكومة وبأثر فوري ترد على هذه المدفوعات، فلا يعود هذا الستار الطويل بين مدفوعات الفرد وأعمال الحكومة، ويصبح الأفراد أكثر تقبلاً تجاه السياسة الضريبية الجديدة التي ستمكن مبدأ الشفافية، وتقديم الخدمة، بما يساهم في تقليل الضغط الضريبي على المواطن، الذي سيعود للدخول في منظومة التحصيل المالي، كشريك مساهم مع الدولة، ويتخلص من هاجس الخوف والشك في وجود ضرائب غير معلنة، ولكن لا يعني هنا، أن الأخذ بمبدأ الدفع الإلكتروني هو نهاية التحديات، فلا بد من الاعتماد على نظام المحاسبة في الشبكة الإلكترونية، لأجل الاستناد على قيم حقيقية في فرض الضرائب، فلا يمكن الاستمرار في فرض الضرائب على قيم غير حقيقية، لا تدخل في تقليل النفقات العامة، أو في فرض ضرائب جائرة تجبر المواطنيين على تحمل كلفة الخدمات بالمطلق، فالنموذج الأوروبي في فرض الضرائب أيضاً لا يحقق العدالة القانونية من تشريع القوانيين الضريبية، بل هو عقد إذعان بين المواطن ومقدم الخدمة، لذلك كان لا بد من الأخذ باعتبار الفقيه الأمريكي “لافر” في أن التشريع الضريبي على قيمة مستحقات الدولة من دخل الفرد بمعدلات و فترات زمنية سريعة، ستدفع العائلات وقطاع الأعمال، إلى التقليل من وقت العمل على حساب وقت الراحة، وبذلك يتخلى الأفراد عن الاستثمار لأن الجزء الأكبر من الأرباح
المحققة سيتم اقتطاعه بشكل ضرائب، والعكس صحيح، فإن تم تخفيض قيمة الضرائب الحقيقية على المكلف، سيؤدي ذلك لتشجيع المكلفين على العمل والاستثمار، لأن الأرباح ستكون أقل تعرضاً للضرائب، إضافة إلىأن الوفرة من هذه الزيادة في إجمال الربح، ستزيد في الأنشطة التي ستأتي معها بمصادر دخل جديدة، وبذلك تستفيد الحكومة والفرد من هذه الأنشطة ويحقق المجتمع التوازن الضريبي.

مكافحة التهرب الضريبي

تعتبر مكافحة التهرب الضريبي أحد أهم هواجس العصر الحالي، حيث تسعى كل الحكومات إلى تطبيق الأنظمة التقنية الحديثة، في الحد من انتشار هذه الظاهرة، ولذلك كان وجود أسلوب الدفع الإلكتروني، واعتماده في سلاسل التوريد الداخلي والمحلي، أحد أهم العناصر، التي أدت إلى تراجع هذه الجريمة عموماً، فقد تمكن هذا النظام من الدخول إلى القلب الإداري لهذه المؤسسات والمنشآت التي تمثل كبار المكلفين وأجبرتهم، بالتشريعات الحديثة، على التصريح عن قيمة أموالهم الحقيقية للبنوك، في حال أرادوا حماية أموالهم من الهدر خارج هذه المنظومة، حيث شكلت طوقاً محكما على التعامل النقدي، وقلبت من التعامل به على أرض الواقع المادي، فصارت بيانات الشركة واعتمادها أمام الشركات المنافسة وأمام عملاءها أكثر وضوحاً وشفافية، وصارت مجبرة على التصريح عن الموجود الفعلي من إنتاجها، في حال أرادت ألا تخسر التمويل وألا يبتعد عنها الزبائن أو أن تحوم حولها الشبهات، أي أن البنوك قد أدخلتها سوقاً مفتوحة، وأجبرتها على التحويل المالي عن طريقها بالدفع الإلكتروني مع الشركات الأخرى، فتتم المقاصة الفورية في قيمة العقود الصريحة أمام البنوك.
الربط المركزي
الربط المركزي المستقل وأخذ زمام المبادرة في وضع الخطط الزمنية و السير في عملية التنمية من جديد، وكان القانون رقم ٣٧ لعام ٢٠٢١، أحد أهم القوانيين، التي منحت وحدات الإدارة المحلية الاستقلال الاقتصادي، في تأمين إيراداتها، إلا أن هذا القانون لجأ إلى تكريس اللامركزية الإدارية بأوسع أبواب المصطلح، فاستقلت الدوائر في عملها مالياً عن الجهات المركزية، ما أدى إلى زيادة في الإنفاق العام ضمن هذه الدوائر دون زيادة في تحسين مستوى تقديم الخدمة، ورغم الإنجازات الذي حقق مبدأ اللامركزية الإدارية، في التجارب المعاصرة، فنحن لا يمكن أن ننسى الوضع الخاص الذي يمر على بلادنا، الذي لم تنفع معه الطرق التقليدية في علاجه، حيث أدت هذه الاستقلالية إلى زيادة الهدر وضياع الوقت والمال، ولذلك سيكون مبدأ الدفع الإلكتروني أحد بوادر الحلول في إنشاء شبكة مالية مركزية وفرعية، قادرة على ربط التمويل العام وتوزيعه بين الدوائر، وربط أجهزة الإدارة المركزية مع الفرعية فتتمكن من التفرد باستخدام مزايا النظاميين الإداري المركزي واللامركزي، الأمر الذي سيمكن الحكومة في هذا الوضع الاقتصادي غير المستقر من أن تستند إلى قاعدة مالية وإدارية مرنة مركزية، ومستقلة بخصائصها الإدارية، يمكن الاعتماد عليها في وضع الموازنات السنوية والخطط الخمسية، أي الخطط المالية طويلة وقصيرة المدى، والسير مرة أخرى في الخطط التنموية المتأخرة، فقد أثبتت جميع التجارب الدولية الرائدة في التنمية، أنها تحتاج إلى مجهود مشترك ، بين الحكومة المركزية ودوائر الدولة، تكون فيه دوائر الجهة المركزية قادرة على معالجة الأمور الاختصاصية، بينما تهتم الجهة المركزية بإصدار القرار الذي يصبو لتحقيق الصالح العام.
و في النهاية نحن نرى أنه ما زال هناك العقبات أمام ثورة منظومة الدفع الإلكتروني والحوكمة الرقمية القادمة في بلادنا، وأول هذه العقبات هي الحاجة الماسة إلى تفعيل دور قطاع الاتصالات ، الذي غالباً سيكون القطاع ذو الدور الأكبر في المراحل القادمة حيث يجب أن تتجه سياسة الإنفاق العام حالياً إلى تأهيل هذا القطاع بحيث يكون قادراً على توفير خدمة الدفع الالكتروني، بأفضل أشكالها وأكثرها تقدماً، لا أن تكون فقط خدمة دفع عبر البوابة الالكترونية، بل أن تكون أداة فعالة في شبكة الأموال عبر الإنترنت، قادرة على اختصار الأعمال الإدارية المعقدة وتقديم تغذية مرجعية لمستخدم الخدمة أو دافع الفواتير، الأمر الذي سيحقق الغاية القصوى من هذه الخدمة وهو إرساء دعائم نظام الحوكمة الإلكترونية في بلادنا، بحيث تكون منظومة إدارية ومالية مرنة وعملية قادرة على إعادة توجيه دفة الاقتصاد السوري، بمسار ثابت قادر على استيعاب الضغوط الخارجية، والسير في تحقيق الرفاهية الإدارية والضريبية للمواطن السوري.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار