بُعد استثماري تنموي مهم… الرعاية الصحية تتجه نحو اقتصاديات من نوع آخر ومُطالبات بتخفيف أعباء الأمراض مُستقبلاً

دمشق – بارعة جمعة:

يتشكّل من مجموعة علاقات اجتماعية يتم اللجوء إليها لتحقيق هدف محدد، وتشكّل بدورها رصيداً يوفّر منافع ملموسة للأفراد الأكثر ارتباطاً بهذه الشبكات، هو مفهوم الرعاية الصحية بهدف توفير مناخاتٍ داعمة لتمكين صحة المجتمع، كما وتحمّل الحكومة مسؤولية النظر إلى الصحة، بوصفها حقّاً يتجاوز الأفراد والجماعات إلى المجتمع بالكامل، وبالتالي، تأدية دورٍ يتمثل في توفير كل ما من شأنه أن يدعم فكرة الصحة في السياسات العامة.

مفهوم الاستثمار في الرعاية الصحية جزءٌ أساس من الحوارات التي يجب أن تدور حول مستقبل سورية، كما أنه في حدِّ ذاته تبنٍّ للمفهوم الشامل للصحة..

يُجادل الباحثون في حقل الصحة العامة في هذا النمط من المُقاربة الذي أوردته المنظّمات الدولية، يركّز على الرعاية ضمن مفهوم تقديم الخدمات الصحيّة، بينما يتجاوز الأمر ذلك للاستثمار بها، ضمن قواعد وشروط تضمن تحقيق العدالة والتمويل، إضافة إلى تنفيذ مبدأ الحوكمة الرشيدة للقطاع الصحي.

رأس مال اجتماعي
جزءٌ أساس من الحوارات التي يجب أن تدور حول مستقبل سورية، وهو في حدِّ ذاته تبنٍّ للمفهوم الشامل للصحة، وربط الأخيرة بمُحدّداتها المتعدّدة والمُتشابكة، التي لا بدّ أن للدولة التزاماتها أيضاً تجاهها، وفق رؤية الخبير بشؤون الصحة العامة والنظم الصحية والمدير التنفيذي لمؤسسة الآغا خان للخدمات الصحية في سورية الدكتور ماهر أبو ميالة، التي أكد بها أهمية الإنفاق على الصحة بصفته أمراً إنسانياً بالدرجة الأولى، لجهة السعي لتخفيف آلام ومعاناة المرضى وذويهم.

تلبي حوالي 90% من الاحتياجات الصحية يليها مستوى الرعاية الثانوية 9% ومن بعدها الثالثية التخصصية 1%

بُعدٌ تنمويٌ ومتخصص بجوانب معينة من الأنشطة والرعاية الصحية، ويتحول لاستثمار في حال إسهامه بالتخفيف من أعباء الأمراض في المستقبل، عدا عن دوره في تحسين التعليم والإنتاج وسلامة المجتمع، برأي د. أبو ميالة مقدماً مثاله في رعاية الأمومة والطفولة الذي يعكس نتائج مهمة في تخفيف الأعباء، كما ويضمن قدرةً أفضل للتعلم والإنتاج والعلاقات الاجتماعية السليمة ومكافحة الأوبئة وعوامل الخطورة في الأمراض المُزمنة، يُضاف لذلك التشجيع على أنماط الحياة الصحية وتوفير الموارد اللازمة للناس لاتباع تلك الأنماط.

أولوية تنموية

هذه الأمثلة وغيرها من الإنفاق الاستثماري والتنموي في الصحة من الضروري إعطاؤها الأولوية في السياسات الصحية الوطنية وفي الميزانية العامة للدولة برأي د.أبو ميالة، لكونها تُسهم بتخفيض الأعباء الصحية والمادية الهائلة للأمراض، بصفتها جزءاً من التكاليف التي تشكل الرعاية التشخيصية والعلاجية جزءاً مهماً منها أيضاً، إلى جانب تكاليف كبيرة تتعلق بضعف القدرات على التعلم وتعطل الإنتاج وإيجاد بيئة مجتمعية يكون فيها مستوى العنف والإدمان بأعلى مستوياته.

هي حُزمةٌ من الخدمات الصحية الأساسية التي تُلبي الاحتياجات للمشكلات الصحية الأكثر شيوعاً وتأثيراً على الحالة الصحية للسكان والمجتمع، وتحديد سُبل توفير تلك الخدمات وإيصالها بما فيها ضمان توفير الموارد البشرية والمادية اللازمة، التي تضمن وصول الرعاية الصحية الأولية التي تُعد الأساس لكل التجمعات السكانية وتلبي حوالي 90% من الاحتياجات الصحية، يليها مستوى الرعاية الثانوية 9% ومن بعدها الثالثية التخصصية 1%.

د. أبو ميالة: مراجعة مصادر تمويل النظام الصحي في سورية، والبحث عن مصادر جديدة أكثر استدامة مثل السياسات الضريبية

ثقافة الوقاية
” درهم وقاية خيرٌ من قنطار علاج”، من هنا كان للوقاية دورٌ رئيس في ثقافة الوعي الصحي، التي لا بدَّ أن تقوم على أسس أهمها الابتعاد عن تناول الأدوية الكيميائية إلّا في حالات الضرورة القُصوى وبإشراف طبيبٍ مُختص وفق توصيات رئيس جمعية الباحثين بعلوم التغذية والعلاج الطبيعي واختصاصي التغذية والأعشاب الطبية في سورية الدكتور هيثم زوباري، الذي رأى في مصادر الاستثمار بالرعاية الصحية باباً للخروج من أنماط علاجية مؤذية تُفيد في علاج بعض الأمراض لكنها بالمُقابل تترك آثاراً سلبية على صحة المريض، هنا يمكننا القول – والحديث للدكتور زوباري – إنّ أعضاء الجسم مثل: ( القولون، الكبد، الكليتين، المفاصل) هي الأكثر عُرضةً لهذه المخاطر، ما جعل للطب النباتي المعروف بـ (طب الأعشاب) حضوراً قوياً في العصر الحديث، لكونه أكثر أماناً ومن أهم الاستثمارات الاقتصادية العالمية في مجال صناعة وتجارة الدواء برأيه.

تصنع المرض وتنشره ومن ثم تطرح الدواء المُعالج في الأسواق العالمية، هي سياسة عمل منظومة الدواء الكيميائية والتي أكدتها جائحة كوفيد 19 عام 2020 وفق تأكيدات د. زوباري ، فالجميع شاهدٌ على النتائج الكارثية للمجتمع البشري جراء هذا السلوك غير الإنساني، وهو ما حذر منه أطباء النبات منذ اليوم الأول للجائحة، ضمن توصيف الحالة بأنها صناعة مخبرية هدفها الأول هو الربح المالي الفاحش على حساب البشر على حدِّ تعبيره.

خبير بعلم النبات الطبي: ثقافة الوقاية هي من مصادر الاستثمار بالرعاية الصحية وبابٌ مهمٌّ للخروج من أنماط علاجية مؤذية..

بناء مجتمع سليم
من هنا أطلق الباحث في محال النبات والتغذية الدكتور هيثم زوباري توصياته للحفاظ على الجهاز المناعي المسبب الأول لكافة الحالات المرضية عبر الاعتماد على مواد غذائية من مصادر نباتية (خضار، فواكه، زيت الزيتون) قدر الإمكان والتقليل من المصادر الحيوانية للغذاء، بالتوازي مع إجراء الفحوص الدورية والتحاليل اللازمة سنوياً خاصة لمن تجاوزت أعمارهم الأربعين عاماً، والأخذ بالحسبان اتباع القواعد الصحية بعدم إدخال طعام فوق طعام ومراعاة عدم تناول الأغذية الدسمة التي تزيد من حموضة الدم كالسكر والملح واللحوم الحمراء والمكسرات المحمصة والمالحة والخبز الأبيض، وعدم زيادة المنبهات مثل (المتة، الشاي، القهوة)، والاتجاه للنباتات الطبية بإشراف مُختصين أيضاً لعلاج أي حالة مرضية تجنباً لأي أثر سلبي على صحة المريض، والذي من الممكن أن يعود لاحتمالية احتواء الأعشاب الطبية موادّ فعالة سامة إذا لم تُدرس بشكل صحيح وسليم.

كل ذلك لن يتم من دون السماح بإقامة مراكز علاجية رسمية للعلاج بالأعشاب الطبية وبإشراف الجهات الرسمية المعنية برأي د. زوباري، ضمن شروط علمية حضارية لمن يقوم بإدارة مثل هذه المراكز ومراقبتها كي تحقق الهدف الأمثل ألا وهو حماية المجتمع من الأمراض، وخاصة أمراض العصر الحديث مثل (السرطان) بكافة أشكاله وتفرعاته.
توصياتٌ اعتمدها رئيس جمعية الباحثين في علوم التغذية والعلاج الطبيعي في سورية د. هيثم زوباري من مبدأ أن سورية هي بلد خيرات طبيعية هائلة، إذ تحوي أكثر من 3600 نوع من النباتات الطبية، من الممكن الاستفادة منها واستثمارها في صناعة الكثير من الأدوية المُعالجة لكثيرٍ من الأمراض، عدا عن وجود الكثير من موسوعات الأعشاب الطبية السورية الغنية بالأعشاب المطلوبة عالمياً، والتي إن استثمرت بالشكل الأمثل ستغدو بديلاً محلياً عن الكثير من الأدوية الكيميائية المُستوردة أو المُصنعة محلياً.

د. زوباري: الاستثمار في صناعة الأدوية من النبات الطبية هو البديل عن الكثير من الأدوية الكيميائية المُستوردة أو المُصنعة محلياً..

مصادر التمويل
نستنتج مما سبق، أنه من المهم بمكانٍ ما مراجعة مصادر تمويل النظام الصحي في سورية، والبحث عن مصادر جديدة أكثر استدامة مثل السياسات الضريبية وفق توصيف د. أبو ميالة للأولويات، وذلك بالتخفيف قدر الإمكان من الاعتماد على الدفع المُباشر من الجيب للخدمات الصحية، وتحويل الضرائب على الدخان والمشروبات الكحولية والمُحلاة للقطاع الصحي.
“يجب أن تكون هناك سياسات وخطط وإجراءات للاستعداد والاستجابة لحالات الطوارئ المختلفة والاستفادة من التجارب القاسية خلال الحرب وجائحة كوفيد وبعدها الزلزال”، توصيةٌ أطلقها خبير بشؤون الصحة العامة والنظم الصحية الدكتور ماهر أبو ميالة تُبرهن خصوصية إصلاح النظام الصحي في البيئات الهشة والنزاعات، وهي جهود لن تتحقق بجهود وزارة الصحة والعاملين بالقطاع الصحي وحدهم من دون مشاركة مختلف القطاعات الأخرى المؤثرة في الحالة الصحية برأي د. أبو ميالة، عبر الاستفادة من دعم المنظمات الدولية لتقوية الجوانب التقنية وتعزيز القدرات الوطنية شرط ألا تكون المصدر الأساس لتمويل برامج الصحة العامة، بالتوازي مع وجود خطة وطنية لتعزيز مشاركة المجتمع بالشأن الصحي على مختلف المستويات، بدءاً من تمكين الناس باتباع أنماط الحياة الصحية، ومروراً باتباع كل إجراءات الوقاية من الأمراض والكشف المُبكر عنها وصولاً لإيجاد آلية لسماع صوت الناس وفهم احتياجاتهم والمسؤولية تجاههم.
أمام كل هذه المُتطلبات، يعود الدكتور ماهر أبو ميالة للتأكيد مُجدداً على بقاء المسؤولية الكبرى بتأمين الخدمات الصحية الأساسية والمؤثرة على الصحة العامة على عاتق القطاع العام.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
سيتم إطلاقها بالتوازي مع المنصة الوطنية للحماية الاجتماعية.. وزير الاتصالات والتقانة: منصة الدعم النقدي ستكون جاهزة خلال الأشهر الثلاثة القادمة بسبب ارتكاب مخالفات واقتراع الناخبين ذاتهم أكثر من مرة.. القاضي مراد: إعادة الانتخابات في عدد من مراكز حلب وريفها المقداد يعزي البوسعيدي بضحايا حادث إطلاق النار الذي وقع في محافظة مسقط ناقش مذكرة تتضمن توجهات السياسة الاقتصادية للمرحلة المقبلة.. مجلس الوزراء يوافق على إحداث شعبة الانضباط المدرسي ضمن المعاهد الرياضية "ملزمة التعيين" وزارة الدفاع: قواتنا المسلحة تستهدف آليات وعربات للإرهابيين وتدمرها وتقضي على من فيها باتجاه ريف إدلب الجنوبي مشاركة سورية في البطولة العالمية للمناظرات المدرسية بصربيا القاضي مراد: إعادة الانتخابات في عدد من المراكز في درعا وحماة واللاذقية «لوجود مخالفات» غموض مشبوه يشحن الأميركيين بمزيد من الغضب والتشكيك والاتهامات.. هل بات ترامب أقرب إلى البيت الأبيض أم إن الأيام المقبلة سيكون لها قول آخر؟ حملة تموينية لضبط إنتاج الخبز في الحسكة.. المؤسسات المعنية في الحسكة تنتفض بوجه الأفران العامة والخاصة منحة جيولوجية ومسار تصاعدي.. بوادر لانتقال صناعة الأحجار الكريمة من شرق آسيا إلى دول الخليج