النصر آتٍ.. رغم الألم ورغم خيبات الأمل

تشرين- ادريس هاني:
– ليس عزوفاً عن الكتابة حول غزّة اليوم، وقد بلغ انحطاط النظام الدولي الذروة، وإنّما هناك دائماً خيبات أمل تحيط بالقضايا العادلة، إنّ آلام غزّة تكاد تشلّ ألسنتنا، لم يعد هناك شيء مهمّ، مادامت عملية إثارة دفائن القلوب هي أصعب من استخراج المعدن النفيس من بطن الأرض، وشيء آخر يُصيب الإنسان بالإحباط، طريقة إدارة أشكال التضامن مع شعب جريح، أشكال الجمود، وغياب النجاعة والإخلاص أمام الحسابات الصبيانية والبلهاء، نحن في مرحلة لا تتحمل الأخطاء، تجار القضايا ينسون، لكن أهل النُّهي والمبدأ لا ينسون.
– أشعر بالإهانة حينما تبلغ أصوات الشعوب عنان السماء، نصرة لحقٍ سليب، غير أنّ النظام الدّولي غير آبه لما يحدث في غزّة، هم ينتظرون نظاماً دولياً جديداً، والنظام الدولي الجديد ليس إلاّ نتاج ما نراه اليوم، هل ضريبة تجنّب حرب عالمية، أن نتغاضى عن حرب الإبادة في غزّة؟ أسأل الأقطاب التي هي قاب قوسين أو أدنى من تثبيت قطبيتها، لكن هذا يؤكد أنّ الأفق المطروح اليوم لنظام عالمي جديد، هو تفاهم بين بكين وواشنطن، تفاهم تاريخي لطالما استشرفه مؤسسو الجيوبوليتيكا، هذا في حين تدرك روسيا أنّها بقوة الهارتلاند، هي لا شرقية ولا غربية، ستقدم نفسها كجسر لحوار بين الحضارات، لكن سؤالي: ماذا عن فلسطين.. ماذا عن الفيتو؟ ليس أمام شعب تأكله النّار سوى أن ينتفض إلى آخر رمق، يقاوم حتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود من فجر انتصار جديد.
– أمقت الدكاكين، وكل أشكال الزحف على البطون، والنفاق، وقلّة المروءة، حين يتعلق الأمر بكفاح الشعوب، إنّ فراستي تحدثني بأكثر مما يحدثني به تحليلي لمعطيات، أدرك أن الكثير منها لا مكان له في عالم الثبوت والإثبات، على الأقل وجب تذكير كل «ألعبان» بأنني على الأقل أفهم ألاعيبكم، والأفضل ألا تستغفلوا من لا يمتهن السمسرة، نحن على كلّ حال نؤرّخ للمعقول واللاّمعقول، ولا نؤمن بامتهان النّضال بالمراسلة، والسباق فيه بالمنشطات المحرّمة، ففي ذروة المعركة: «خلّي» عقلك وسلاحك صاحياً.
– للمرة الأولى يمثل الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية، والمبادر جنوب إفريقيا، وهو موقف لا يمكن التقليل من أهميته في ظل هذا الإرعاب المفرط الذي تمارسه القوى الغربية على دول الجنوب، وضعية جنوب إفريقيا خاصّة جدّاً، لأنّ أي محاولة للعودة إلى الوراء، معناها العودة إلى الفصل العنصري، لا أريد أن أتحدث أكثر، غير أنّ الراعي الغربي للاحتلال جاهز لإفشال أي حكم ضد الاحتلال، كل الخطوات مهمّة، لكن من الذي يمنح لكل هؤلاء فرصة العمل، ويجعل العالم في وضع حرج؟.. إنّها المقاومة.
– لم يكن هناك جديد سيذهلنا في المحاكمة، فأما الفريق الذي رافع ضد الاحتلال، فقد كان ملمّاً بالوضع ومهنياً وذكياً أيضاً، أما ممثل الاحتلال فكانت وجبة من الاستهتار بالقيم الكونية والقانون الدولي، والأسوأ من ذلك، حين يكرر حلفاء الاحتلال، حق الاحتلال في الدفاع عن نفسه، إنّ محاكمة مثل هذه، هي مهمّة فقط، حيث تمنح شعباً مظلوماً حقّ المقاومة حتى النهاية.
– ماذا قدمت الدول العربية والإسلامية لغزة، مع وجود الاستثناء، ماذا لو اتفقت الجامعة والمؤتمر على أن يسيّرا على الأقل سفن المساعدات إلى موانئ غزة ويقتحما المعابر لإنقاذ الضمير والإنسان؟
– لم يعد هناك من خيار سوى الإذعان، هذه المرة الإذعان للعدالة، بالنسبة لشعب يواجه حرب إبادة، لا بديل عن الانتصار، بالنسبة لاحتلال فقدَ السيطرة على عُنفه لا بديل عن الاستسلام.. ثلاثة أشهر من الصمود مؤشّر كاف على أنّ شعباً ينتصر بدماء أبنائه، للمرة الأولى في تاريخ الغَلَبَة، تصبح القوة عامل ضعف، والذي جعلها كذلك هو المقاومة.
– حاول الاحتلال من خلال تنفيذ عملية اغتيال العاروري، توسيع مجال المعركة، ليخفي عجزه الكامل ضد مقاتلي القسّام، ما معنى استهداف قيادي في دولة أخرى، بينما طيران الاحتلال يحلّق منذ ثلاثة أشهر فوق سماء غزّة؟ بالنسبة إلى نتنياهو ليس هناك خيار، فإمّا أن يربح هذه الحرب أو المحاكمة، وهو يفرض الأمر الواقع لاستدراج الولايات المتحدة الأميركية إلى التدخل وخوض الحرب المباشرة داخل مجال موسع.
– يؤكد جان بيير فيليو على أن لنتنياهو مصلحة بالاستمرار في الحرب في انتظار حظّ دونالد ترامب في الفوز في الانتخابات، إنّ هاجسه هو ضمان الحصانة كرئيس حكومة، ولذا فهو حدد هدفاً يتجاوز الهدف العسكري، وهو تدمير حماس، هدف مثل هذا يجعلها حرباً مفتوحة، من شأنها الإطاحة ببايدن وتمكين ترامب من العودة إلى المشهد السياسي، من هنا الحديث عن أن عملية اغتيال العاروري لم تتم باتفاق مع واشنطن.
– يبدو غريباً أن نتنياهو، كردّ على إقدام بريتوريا منذ وضعت دعوى ضد «إسرائيل» في محكمة العدل الدولية بناءً على شرط الاختصاص القضائي، قال إنه سيواصل ما سماها حرباً دفاعية، معتبراً إياها لا نظير لها في العدالة والأخلاق، ومؤكداً أنهم يعملون كل ما في جهدهم لتجنب الإضرار بالمدنيين.

-إقدام نتنياهو على استهداف قيادة المقاومة الفلسطينية خارج غزّة، أفشل عملية تبادل الأسرى، هذا يؤكد أنّه غير معني بتحرير الأسرى، بل هو معني فقط بإطالة أمد الحرب، بانتظار ما ستسفر عنه الانتخابات الأميركية القادمة.
– يمنح القانون الدولي حق الرد للبنان ومقاومته ضدّ العدوان الذي أقدم عليه الاحتلال، كل الخيارات مفتوحة للمقاومة، ففي هذه العملية يوجد شهداء لبنانيون أيضاً، على الأقل، لم يعد اليوم بالإمكان الحديث عن أنّ المقاومة اللبنانية لم تتدخّل، بل هي مستهدفة في حرب مفتوحة على كل الاحتمالات، وعلى الرغم من خطورة هذا التصعيد، فإنّ نتنياهو يرى في ذلك ما هو أهون من إيقاف الحرب.. إنّ الوضع تطوّر بما فيه الكفاية، ولا يمكن معالجة مخرجات هذه المعركة بذهنية ومستحقات «أوسلو»، هنا الأمر بات مختلفاً تماماً.
– مئة سنة من الخراب، هي ضريبة باهظة لشعب لا يحتاج إلى من يساعده على التحرير، بل هو بصدد تحرير شعوب وأمم من سجن نظام عالمي فقدَ آخر إحساس تجاه القضايا العادلة، ولو نفاقاً.. إذاً هو فائض قيمة الكفاح الوطني الذي جعل غزّة أيقونة ثورة العام الجديد.
كاتب من المغرب

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار