أغانيه لاتزال في البال الذكرى السنوية الثالثة على وفاة الموسيقي محمد علي شاكر.. إبداع لاتطويه أوراق الذاكرة

تشرين- إدريس مراد:
يعدّ الاتجاه الذي اتخذه الملحن والشاعر محمد علي شاكر من الاتجاهات الأساسية التي وجدت في الغناء السوري ولاسيما في الجزيرة السورية على وجه التحديد، حيث استطاع من خلاله أن يعيد أهمية الملحن إلى الساحة الفنية في تلك البقعة الجغرافية الغنية بثقافتها وحضارتها، والذي طالما كان السائد عند أغلب المغنيين هناك.. من يلحن لنفسه وربما حتى هو من يكتب كلمات أغانه، ومن ثمّ كان الملحن هو المنسي الذي لا نسمع به أبداً، ويؤدي أعماله ما هبّ ودب، من دون ذكر اسمه، وتالياً يتعرّض للسرقة، ويذهب جهده وفكره وعمله هباءً منثوراً، وهذا ما حصل مع الموسيقي محمد علي شاكر.. فهناك من أصبح نجماً بأداء ألحانه من دون ذكر اسمه، ليس هذا فحسب، بل هناك من نسب العمل برمته لنفسه.

أعمال خالدة ليومنا هذا وإن كانت في مهب السرقة دائماً

التلحين وكتابة الأغاني
اختصر “شاكر” في مسيرته الفنية على التلحين وكتابة كلمات الأغاني ولم يقدّم نفسه مغنياً، وترك الأداء لشقيقه الفنان الشهير محمود عزيز شاكر ليشكلا ثنائياً مميزاً في أواسط الستينيات، تعدت صداها حدود المحلية، حيث غنّى عزيز شاكر من أعماله في بغداد وسجل بعضها بإذاعتها، ولبنان والأردن أيضاً مع الفرقة الملكية الأردنية وتركيا وغيرها.

اختصر مسيرته الفنية على التلحين وكتابة الكلمات ولم يقدم نفسه مغنياً

في طفولته استهواه تجويد القرآن الكريم وتلاوته من المقرئين في الجوامع التي تردد عليها بصحبة جده الشخصية الدينية والمؤذن في الجامع، فحفظ شاكر القرآن وتلاوته من خلاله، كما أدى الأناشيد في المناسبات الدينية والأعياد والمدرسة أيضاً، وربما هذا هو السر بوجود مسحة صوفية في بعض ألحانه مثل أغنية (Rewyio – يا مسافر).

أعماله التي كتبها ولحنها وصلت إلى 265 أغنية و 35 أغنية من ألحانه

الأغنية الأولى
في بداية مشواره تعلم العزف على آلة الناي، ومن ثمّ اقتنى آلة عود وتعرف على أسرارها من دون مدرس، فحينها لم يكن هناك من يعلم الموسيقا في الجزيرة أكاديمياً، لكنه اعتمد على نفسه في كتابة النوتة وعلّم المقامات من خلال الاطلاع وقراءة كتب الموسيقا، لينجز باكورة أغانيه سنة ١٩٦٨ بعنوان (Zeynebe- زينب)، وساعده في تصحيحها الشاعر يوسف برازي، الذي له الفضل الأول على مساعدة شاكر وتشجيعه خاصةً في كتابة الشعر وطريقة نظمه على الأقل في القصائد الأولى.

أدى أغلب أعماله شقيقه الفنان محمود عزيز شاكر وشكّل معه ثنائياً فنياً

استوحى محمد علي شاكر ألحاناً من التراث، ولكنه لم يستخدم أبداً ألحاناً أصلية منه بكامل تفاصيل صوره، ونجد أسلوبه هذا في أغنية (Zava – العريس)، التي تؤدى كثيراً من قبل العديد من المغنيين في الأعراس ويعدّها البعض بأنها أغنية تراثية قديمة لكونها تلامس التراث ولكنها لحن مبتكر كتبه في السبعينيات من القرن الماضي، وفي موسيقاه عموماً يظهر ذلك المزج بين الموسيقات الملونة الموجودة في الجزيرة والتي نتجت مواضيع لحنية ذات أفكار عميقة، يأخذ من هذه الموسيقا عناصرها الجوهرية، والقواعد التي تنظمها، لنجد عنده سلالم وتراكيب لجمل لحنية إضافة إلى تركيبات إيقاعية تحمل بوضوح شديد الصفات المميزة لهذا المزج ولهذه الثقافات المتعدد، ويمكن لنا أن نذكر هنا على سبيل المثال أغنية (Yara zor ciwan- الحبيبة الجميلة).

القرب من التراث
تتسم ألحان شاكر بأنها مفعمة بالألوان والقوة الداخلية والتعبير العضوي والسحر الموجود في موسيقا بني جلدته، كما أن خصب اللحنية والحيوية الإيقاعية الجديدة والمبتكرة وبساطة البناء في جميع أعماله ضمنت منزلته الرفيعة الثابتة في عالم التلحين، ما جعله واحداً من المبدعين الذين استطاعوا النهوض والانتقال بالأغنية في منطقة الجزيرة السورية من الأسلوب الذي راج في الفترة التي سبقته إلى الأسلوب الذي ابتدعه في الإلقاء الغنائي في مستهل السبعينيات والثمانينيات من وراء رؤيته الخاصة وهذه الرؤية لم تأتِ من فراغ وإنما من تراكمات الموروث الذي اقترن في ذاكرته بدءاً من أغاني (بيزوك) والملاحم وانتهاءً بالأغاني الشعبية التي كانت تؤدى في المناسبات المختلفة.
عشرات الأعمال
ولد الفنان محمد علي شاكر سنة ١٩٤٦ في بلدة الدرباسية التابعة لمحافظة الحسكة لأسرة ريفية بسيطة، فكان يدرس في الشتاء ويعمل بالزراعة مع والده لصعوبة الظروف المعيشية والاقتصادية ورغم ذلك كان متفوقاً في دراسته، تعلم العزف على العود وحده، ودرس الموسيقا وحده، وكان رساماً بالفطرة أيضاً، تعرف الناس على كبار المغنيين من خلال اعماله، كالفنان الراحل محمد شيخو الذي ادى الكثير من أعماله مثل (عيد وعرفات، أنا فتاة كردية، عزيزة على قلبي…)، وصل عدد أعماله التي كتبها ولحنها إلى 265 أغنية إضافة إلى 35 أغنية من ألحانه، أدى أغلبها شقيقه الفنان محمود عزيز شاكر، كما غنى له كبار المغنيين نذكر منهم: زبير صالح، شيرفان، خوشناف تيلو، كلستان برور، حسين شاكر، مصطفى خالد…،
رحل الموسيقي والشاعر والرسام محمد على شاكر عام 2020 تاركاً خلفه أرثاً ثقافياً لا يمكن أن تطويه أوراق الذاكرة.

 

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار