تشّوه بصري
ما إن يغيب التشّوه البصري في مكان حتى يعود ليظهر في آخر، فالمشاهد التي تبعث عليه ليست بقليلة، إنّ بداخل المدن والبلدات أو خارجها، وتأثيرات أحياناً لا تقتصر على التلوث البصري فقط، بل قد تتجسد بتلوث بيئي له منعكساته السلبية على صحة الإنسان.
أحد مظاهر التشّوه البصري، يتبدى بالنفايات التي تنتشر بعشوائية مقززة ضمن بعض الأحياء السكنية، من جراء عدم التزام الأهالي برميها داخل الحاويات، أو بسبب قيام البعض بنبش محتوى الحاويات وبعثرته حولها بغية الحصول على مخلفات يمكن بيعها، وهي ظاهرة باتت منتشرة وبكثرة، حتى إن هناك تسابق فيما بين النباشين على الحاويات، في محاولة ليجمع كل منهم أكبر كمية ممكنة قبل الآخر.
ولا يقل سوءاً التشّوه الناتج عن حرف إصلاح وصيانة السيارات، من تشحيم وبنشر وغيار زيت وتصويج ودهان، حيث تُترك مخلفات تحدث تلوثاً بصرياً وبيئياً في آن معاً، وهذا الواقع يفرض نفسه في المدن والأرياف التي تتوضع مثل تلك الحرف في أحضان أحيائها السكنية لا خارجها، بمسوغ عدم وجود مناطق صناعية لاحتوائها.
أيضاً يحدث التشّوه البصري نتيجة الأنقاض من مخلفات الحفر والهدم والترميم، التي يقوم بعض الأهالي برميها على حواف الطرقات وفي الساحات الفارغة بين المنازل، للتهرب من تكاليف ترحيلها إلى الأماكن المخصصة لها، فتصبح مرتعاً لانتشار الجرذان والكلاب الشاردة، التي تسبب الأذى للمحيط السكني وتبعث على النفور وتدب الخوف في نفوس المارة.
كذلك يبرز التلوث البصري والبيئي من جراء اعتماد بعض الوحدات الإدارية مكبات عشوائية مؤقتة للنفايات بالقرب من الأحياء السكنية أو الأراضي الزراعية أو مصادر مياه الشرب، بدلاً من ترحيلها للمكبات النظامية، بمسوغ عدم كفاية آليات الترحيل أو نقص الوقود اللازم لتشغيلها.
والتشّوه الذي يبعث على الحزن والأسف ويهدد سلامة البيئة برمتها، يأتي من مشاهد بعض الأحراج والغابات وقد أزيلت بفعل التعديات، وكذلك مناظر أغلب المسطحات المائية الطبيعية والاصطناعية وقد جفّت تماماً، نتيجة الحفر الجائر والعشوائي للآبار الزراعية المخالفة.
ولا يغيب التشّوه البصري حين المرور ببعض الأحياء المتضررة ضمن مدينة درعا من جراء الحرب، حيث لا تزال الكثير من الأبنية الآيلة للسقوط والمهدمة والمتضررة جزئياً على حالها، نتيجة البطء في اتخاذ الإجراءات الواجبة حيال إزالتها أو ترميمها حسب واقع كل منها.
إذاً؛ التلوث البصري والبيئي يبدو بلوحات مشوهة عدة في محيطنا، وبعضها تشكل بفعل التعدي والاستهتار والآخر نتيجة قصر الإجراءات الرادعة والسديدة، وفي الحالتين ينبغي تكاتف جهود المجتمع المحلي مع الجهات المعنية لتقييد اليد التي تعبث وتخرب، وإطلاق اليد التي ترمم وتعالج، لعلنا نحوّل مراحل المناظر المشوهة والضارة إلى مناظر الجمال والتفاؤل.