أزمة ثقة بين المصرف الزراعي والفلاح… هل يتمكن الفلاحون من مواصلة الإنتاج وسط متلازمة عقد صعبة..؟؟
تشرين – غيداء حسن
اليوم وبعد التوجه إلى زيادة المساحات المزروعة بات ضرورياً تأمين مستلزمات الزراعة لاستمرار عمل المزارعين وإنتاجهم، بما ينعكس على تأمين المواد الغذائية الضرورية ورفد الأسواق بها، لكن الكثير من الفلاحين يعدّون أن ما يقدم لهم من دعم بالمستلزمات غير كاف لاستمرارهم بالعملية الإنتاجية، فهم يعتمدون على أنفسهم في الحصول على القسم الأكبر من تلك المستلزمات، والقروض غير كافية، فما يقدمه المصرف الزراعي لهم لا يؤمّن إلا جزءاً قليلاً من مستلزماتهم.
تراكم الديون
يؤكد رئيس مكتب الشؤون الزراعية في الاتحاد العام للفلاحين محمد الخليف لـ«تشرين» أن المنظمة الفلاحية تحظى باهتمام كبير من مختلف المستويات، لكن في عمليات القروض هناك بعض الصعوبات تعترض الفلاحين، أهمها تراكم الديون عليهم نتيجة الفوائد المركّبة، ما يشكل عائقاً أمامهم وخاصة إذا كانت الفوائد كبيرة، وأيضاً عندما يتقدمون للحصول على القروض يتطلب ذلك وثائق كثيرة.
تراكم الديون نتيجة الفوائد المركّبة
وكان قد صدر القانون (46) بتقسيط الديون لفترة زمنية وإعفاء الفلاحين من الفوائد والغرامات، لكن كل من تأخر عن تسديد ديونه يعود عليه الدين كما كان سابقاً مع الفوائد.
ويضيف الخليف: بالنسبة لموضوع الإعفاءات بشكل نهائي طالبنا كثيراً وأرسلنا مذكرات من أجل إعفاء الفلاحين وخاصة من أجور أراضي أملاك الدولة طوال فترة الحرب، فتمت الموافقة على الإعفاء منها طوال الفترة المذكورة، أما فيما يتعلق بالتمويل النقدي فصار في عدد من المحافظات التي فيها مناطق آمنة وضمن الخطة الزراعية، حيث يموَّل الفلاحون من المصارف الزراعية، إلا أن الكميات التي تعطى لهم غير كافية، سواء كانت بذاراً أم سماداً، فالعيني والنقدي غير كافيين لسد حاجة الفلاحين، وخاصة بعد التوجه للقيام بالتوسع في الزراعة، هذا التوسع يتطلب تأمين مستلزمات الإنتاج الزراعي وهي لا تؤمن بشكل كاف، بل حسب المتوفر والإمكانيات الموجودة لدى الجهات المعنية، وهناك بعض المحافظات لم تموّل، لكونها مناطق غير آمنة.
ونفى الخليف أن المصارف الزراعية تتحمل المسؤولية كاملة، فلديها كميات حسب المتوفر وخاصة أننا ضمن ظروف صعبة، لذلك فإن أكثر الفلاحين يموَّلون ذاتياً، وخاصة في المحافظات الشمالية والشرقية باعتبارهم لا يُمولون من المصرف بسبب تراكم الديون والعجز المادي اللذين وصلوا إليهما.
فوائد كبيرة
ويوضح الخليف أن فوائد المصرف الزراعي كبيرة ومع التأخير في السداد تصبح أكثر من رأس المال، وهذا يشكل عبئاً كبيراً على الفلاحين، وقد طالبنا بإعادة النظر بالفوائد وبرفع القروض وتقديم التسهيلات اللازمة للفلاحين، وطبعاً الجواب: إنهم يعملون ضمن أنظمة وقوانين، وخاصة أن نظام عمليات المصرف لا يسمح بإعطاء الفلاحين أكثر مما هو مقرر، ووزارة المالية هي المعنية بالكتل المالية والقروض للمصرف الزراعي.
مقترحات
يؤكد الخليف ضرورة تمويل الفلاحين في جميع المحافظات، وتوفير مستلزمات الإنتاج من أجل التوسع بالزراعة أكثر سواء لمحصول القمح أم القطن أو المحاصيل الأخرى ليتمكن الفلاحون من القيام بالعمل الزراعي بالشكل المطلوب.
عدم التزام المتعاملين
من جانبه يؤكد الدكتور أحمد الزهري مدير المصرف الزراعي أن الفوائد التي يتقاضاها المصرف الزراعي التعاوني عبارة عن فوائد بسيطة، تحتسب على رصيد رأسمال القرض ولا تضاف إليه، وبالتالي تراكمها يعبر عن عدم التزام المتعاملين بسداد التزاماتهم في تواريخها المحددة، وخاصة عند عدم تسديد قسطين متتاليين، حيث يصبح كامل الدين مستحق الأداء وتطبق عليه الفائدة العقدية مضافة إليها فائدة التأخير المعمول بها لدى المصرف استناداً إلى المادة /21/ من قانون المصرف الصادر بالمرسوم التشريعي رقم /30/ لعام 2005 والتي تنص على أنه إذا تخلّف المدين عن تسديد أحد أقساط الدين جزءاً أو كلاً إلى ما بعد تاريخ استحقاق القسط التالي من دون إمهال قانوني يصبح مجموع الدين مع فوائده ومصاريفه مستحق الأداء، ويتبع المصرف طريق التنفيذ الإجباري على أموال المدين وفقاً لأحكام هذا المرسوم التشريعي.
وبالرغم من صدور العديد من مراسيم وقوانين الجدولة التي نصت على الإعفاء من كامل الفوائد المترتبة على رأسمال الدين وجدولته على أقساط سنوية تصل إلى /10/ سنوات وكان آخرها القانون رقم /46/ تاريخ/26/12/2018 القاضي بإعفاء القروض المستحقة الأداء على المتعاملين مع المصرف الزراعي التعاوني من كل الفوائد العقدية وفوائد وغرامات التأخير المترتبة عليها وجدولة أرصدة رأس المال الذي تم تمديده بموجب المرسوم التشريعي رقم /29/ تاريخ 24/12/2019/ المتضمن تمديد العمل بأحكام المادة /5/ منه لجهة تمديد مهلة تسديد دفعة حسن النية وذلك حتى 1/8/2020/ بحيث يتم تسديد القسط الأول مع دفعة حسن النية، لم يلتزم المشمولون بأحكامه بتسديد أقساطهم بتواريخها المحددة، ما تسبب في إلغاء التقسيط وفقدان حقهم بالاستفادة منه، وبالتالي أدى هذا إلى تراكم المديونية عليهم.
ويرى أن تكرار صدور مثل هذه القوانين والمراسيم التشريعية أوجد ثقافة عدم السداد من المتعاملين غير الجادين بتسديد التزاماتهم المالية المترتبة عليهم أملاً في صدور المزيد من قوانين مراسيم إعفاء جديدة.
حسب الكميات المتاحة
هناك من يرى أن المستلزمات التي تقدم للفلاحين والتمويل غير كافيين للوصول بالعملية الإنتاجية إلى المأمول منها وخاصة مع التوجه بالتوسع أكثر بالزراعة وأهميتها بتأمين الغذاء؟
عن ذلك أوضح د. الزهري أن المصرف يقوم بتزويد الفروع بالأسمدة حسب الكميات المتاحة، ويتم بيعها للإخوة الفلاحين أصولاً وفق التراخيص الزراعية الصادرة عن مديريات وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي ودوائرها.
وبالنسبة لمادة سماد السوبر فوسفات فهي مؤمّنة بالكامل ولكل المحاصيل الزراعية، لكونه يتم تأمين هذه المادة محلياً عن طريق عقود داخلية، وفيما يخص الأسمدة الآزوتية (مادة سماد اليوريا 46 %) هناك جهود جبارة بذلت من الحكومة لاستيرادها بموجب عقود مع الدول الصديقة، حيث وصل جزء منها والباقي قيد الشحن، أما بالنسبة لمعامل الأسمدة المحلية فهي حالياً متوقفة عن تسليمنا الأسمدة بسبب عمليات الصيانة.
ماذا عن تقسيط القروض؟
يؤكد مدير المصرف صدور العديد من المراسيم التشريعية والقوانين التي اختصت بجدولة قروض المصرف والإعفاء من الفوائد والغرامات المترتبة عليها، إضافة إلى وجود قانون دائم خاص بالتسويات رقم (26) لعام 2015 يعالج الديون المتعثرة في حال ثبوت عجز المتعاملين عن السداد لأسباب قاهرة خارجة عن إرادتهم، حيث يتم الإعفاء من الغرامات وفوائد التأخير التي تزيد على الفائدة العقدية في حال الالتزام بشروط التسوية، وهو قانون دائم تسري أحكامه على جميع الديون القائمة لدى المصرف بتاريخ نفاذه أو التي تنشأ فيما بعد، وبالتالي فلا حاجة لصدور قوانين ومراسيم جديدة.
التمويل يقتصر على المحافظات والمناطق الآمنة
وعن التمويل الذاتي لزراعة الأراضي، ولاسيما المناطق الشمالية الشرقية بسبب العجز والمديونية، بيّن مدير المصرف أن التمويل يقتصر على المحافظات والمناطق الآمنة التي تقع تحت سيطرة الدولة، بحيث تتمكن فروع المصرف من ممارسة نشاطها الطبيعي في كل العمليات المصرفية بمشاركة الجهات العامة الأخرى ذات الصلة، أما في المناطق غير الآمنة فالعمل متوقف حالياً، حيث لا يمكن التمويل فيها استناداً لتعليمات مجلس النقد والتسليف لوجود مخاطر عدم السداد وعدم إمكانية التواصل مع المتعاملين، ويقوم المصرف بشكل مستمر باستئناف نشاطه في أي منطقة أصبحت آمنة عن طريق فرع المصرف المعني، وبعد توفر مقومات التمويل وفق نظام عمليات المصرف وتعليماته التطبيقية لجهة توفر المقر والكادر وبيئة العمل التقنية المناسبة لذلك.
وأضاف الزهري: إن التعليمات التطبيقية لنظام عمليات المصرف نصت على إمكانية تأجيل الأقساط المستحقة على القروض الممولة للإخوة الفلاحين المتضررين من الظروف القاهرة الخارجة عن إرادتهم على المحصول المتضرر، على أن تكون مبالغ القروض المطلوب تأجيلها نتيجة الضرر اللاحق بالمزروعات أو المشروعات الممولة مستحقة في نفس عام جني المحصول المتضرر ومتفقة معه، وذلك بموجب كشوف عن الأضرار من لجنة مختصة وقبل زوال آثار الضرر.
السعي لزيادة رأسمال المصرف الزراعي المدفوع ليبلغ مئة مليار ليرة
هل هناك توجه لإعفاء الفلاحين من الفوائد المترتبة عليهم في الفترة القادمة؟
يؤكد أن هذا الأمر يحتاج إلى استصدار صك تشريعي بذلك في حال ارتأت الحكومة أن هناك ضرراً عاماً بسبب الظروف الجوية لأي موسم زراعي. علماً أنه كما ذكرنا آنفاً فإنه من خلال استمرار العمل بالقانون رقم /26/ لعام 2015 يمكن للإخوة المتعاملين مع المصرف الزراعي الذين ثبت عدم قدرتهم على سداد ديونهم لأسباب خارجة عن إرادتهم جدولة ديونهم وفق أحكامه.
ويضيف د. الزهري: إن توجهات المصرف الحالية في دعم الفلاحين هي السعي الدائم لتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعي من بذار وأسمدة عن طريق الجهات ذات الصلة الأخرى على شكل قروض ميسّرة وكذلك تمويل إنشاء وتجهيز المشروعات الإنمائية التي تساهم في زيادة الإنتاج كمشروعات استصلاح الأراضي والري ومشروعات تنمية الثروة الحيوانية . ونظراً لارتفاع تكاليفها فالمصرف بحاجة لسيولة تتم تغطيتها من خلال أمواله الخاصة الصافية وكذلك عن طريق تجهيز سندات الدين وحسمها لدى مصرف سورية المركزي والتي لا تخلو من الصعوبات بهذا الشأن مع فروعه، ما قد يتسبب بالتأخير بتنفيذ تلك المشروعات، وخاصة مشروعات الخطة الزراعية، لكونها محصورة بفترات زمنية محدودة وفق احتياج كل محصول، منوهاً إلى قيامهم بمراسلة الجهات الوصائية لزيادة رأسمال المصرف المدفوع ليبلغ مئة مليار ليرة بدلاً من العشرين ملياراً الحالية.