حكاية دمشق مع الزلازل كَما كَتبها البديري الحلّاق

تشرين-لبنى شاكر:
كان ذلك في الثلث الأخير من ليلة الثلاثاء في الثامن من ربيع الثاني الموافق لتشرين الثاني سنة 1172 هـ، حين حدثت زلزلةٌ خفيفة، تبعتها ثانية ثم ثالثة زُلزلت منها دمشق زلزالاً شديداً، هكذا يبدأ الشيخ أحمد البديري الحلاق صاحب «حوادث دمشق اليومية 1154-1175 هـ»، الكلام عن أعوامٍ شهدت فيها دمشق وما حولها، زلازل متعاقبة، كان لعددٍ منها نتائج كارثية، تُشبه ما عايشناه منذ أسابيع، كأنّ الإنسان رغم مرور مئات الأعوام، والتطور الذي مكّنه من تحديد شدة الزلازل وكيفية التصرف خلالها، لم يزل عاجزاً، لا حيلة له أمام الحدث العظيم.
يقول البديري عن الليلة ذاتها: «حسبت أهل دمشق أن القيامة قد قامت، فتهدّمت رؤوس غالب مآذن الشام ودورٌ كثيرة وجوامع وأماكن لا تحصى، حتى قبة النصر التي بأعلى جبل قاسيون زلزلتها وأرمت نصفها، وأما قرى الشام فكان فيها الهدم الكثير، والقتلى التي وُجِدت تحت الهدم لا تُحصى عدداً». الاهتزاز العنيف للأرض، تكرر أيضاً في الليلة التالية وفي الوقت نفسه، ثم حصل مرتين متتاليتين ومراتٍ كثيرة أخف مما سبقها، يقول البديري واصفاً المزيد من ردّات فعل الناس المذهولين مما يحدث «هجر الناس بيوتهم، وناموا في الأزقة والبساتين وفي المقابر والمرجة، وفي صحن الجامع الأموي، وفي هذه الزلزلة وقع خان القنيطرة على كل من كان فيه، وكذلك خان سعسع».
تضاعفت المآسي في الأيام اللاحقة، غير أن ليلة الثلاثاء الخامس من ربيع الأول، كانت الأكثر رعباً «انشقت السماء وسُمع منها صريخٌ ودمدمة ودويٌّ وهولٌ عظيم، حتى إن بعض أهل الكشف رأى أن السقوف ارتفعت، وظهرت النجوم وعادت السقوف كما كانت، ووردت أخبارٌ أن في بعض البلاد انطبق جبلان على بعض القرى»، هذه الأهوال تعاظمت مع واقعة ليلة الثامن عشر من ربيع الأول عندما «خرّ نجمٌ من السماء من جهة الغرب إلى جهة الشرق، فأضاءت منه الجبال والدور ثم سقط فسُمِع له صوتٌ عظيمٌ أعلى من صوت المدافع والصواعق».
في ليالٍ تالية، حدثت اهتزازاتٌ كثيرة، أحدها كما يصفه البديري رجّة مهولة «أسقطت غالب بقية المآذن وأرمت قبة الجامع الأموي الكبيرة والرواق الشمالي جميعه مع مدرسة الكلاسة وباب البريد وأبراج القلعة وغالب دور دمشق»، إلى أن أمر عبد الله باشا الشتجي والي الشام بالصيام ثلاثة أيام، والخروج في اليوم الرابع إلى جامع المصلّى المشهور باستجابة الدعاء فيه، يقول: «رحمهم أرحم الراحمين، وعاملهم باللطف والتخفيف، فصارت الأرض تختلج اختلاجاً خفيفاً، ولم يزل الناس في البساتين والبراري خائفين حتى نزل عليهم الثلج والمطر، وصار الجليد إلى أن خفّت الزلزلة ورجع الناس خائفين».
وعلى ما يبدو، لم تنته حكاية دمشق مع الزلازل هنا، حسبما يرويه الحلاق الذي دوّن مذكراته بالعاميّة، مما عايشه وعرف عنه من شرائح دمشقية منوّعة، كانت تقصد محله بالقرب من قصر أسعد باشا العظم، وفي كل مرّة كان الخوف والفزع يُسيطران على الناس الذين يخرجون إلى البساتين والمقابر، ويمضون أياماً فيها، وحسبما يذكر استمر أحدها أربعة أيامٍ متواصلة مع ريحٍ قوية، وغلاءٍ في الأسعار حتى وصل رطل الخبز إلى خمسة مصاري، ورطل البصل بتسعة مصاري، ورطل السمن بقرش ونصف وربع، وهو ما اشتدّ على الناس في العام التالي 1173 هـ.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
مناقشة تعديل قانون الشركات في الجلسة الحوارية الثانية في حمص إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه ‏الملاحة البحرية.. بسبب سوء الأحوال الجوية صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا خلال اليوم الثانى من ورشة العمل.. سياسة الحكومة تجاه المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والرؤية المستقبلية مؤتمر "كوب 29" يعكس عدم التوازن في الأولويات العالمية.. 300 مليار دولار.. تعهدات بمواجهة تغير المناخ تقل عن مشتريات مستحضرات التجميل ميدان حاكم سيلزم «إسرائيل» بالتفاوض على قاعدة «لبنان هنا ليبقى».. بوريل في ‏بيروت بمهمة أوروبية أم إسرائيلية؟ إنجاز طبي مذهل.. عملية زرع رئتين بتقنية الروبوت مركز المصالحة الروسي يُقدم مساعدات طبيّة وصحيّة لمصلحة المركز الصحي في حطلة القوات الروسية تحسن تموضعها على عدة محاور.. وبيسكوف: المواجهة الحالية يثيرها الغرب